فصل: ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة احدى وعشرين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 أن عمر أمر جيوش العراق بطلب جيوش فارس

فبعث بعضهم إلى كرمان وأصبهان وقد قيل‏:‏ إنما كان ذلك في سنة ثمان عشرة‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ حدًثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَّثنا شعيب قال‏:‏ حدَثنا سيف عن محمد والمهلب وطلحة وعمرو وسعيد قالوا‏:‏ لما رأى عمر رضي اللّه عنه يزدجرد يبعث عليه في كل عام حربًا وقيل لا يزال على هذا الدأب حتى يخرج من مملكته أذن للناس في الانسياح في أرض العجم حتى يغلبوا يزدجرد على ما كان في يد كسرى فوجه الأمراء من أهل البصرة عند عمر فمنها‏:‏ أبو النعيم بن مقرن وأمره بالمسير إلى همدان وقد كان أهلها كفروا بعد الصلح وقالوا له‏:‏ إن فتح الله عليك والي ما وراءك كذلك إلى خراسان وبعث عتبة بن فرقد وبكير بن عبد الله وعقد لهما على أذربيجان وبعث إلى عبد الله بلواء وأمره أن يسير إلى أصبهان وأمده بأبي موسى من البصرة فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين برستاق من رساتيق أصبهان فاقتتلوا قتالأ شديدًا فانهزم أهل أصبهان وصالحوا‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 ولى عمر عمَارًا الكوفة

وابن مسعود بيت مالها وعثمان بن حنيف مساحة الأرض‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏.‏

أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مصرف قال‏:‏ قرىء علينا كتاب عمر بن الخطاب‏:‏ أما بعد فإني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرًا وابن مسعود معلمًا ووزيرًا وجعلتَ أبن مسعود على بيت مالكم وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أهل بدر فاسمعوا لهما وأطيعوا واقتدوا بهما وقد آثرتكم بابن أم عبدٍ على نفسي وبعثت عثمان بن حنيف على السواد ورزقتهما كل يوم شاة فاجعلوا شطرها وبطنها لعمار وفي رواية أخرى‏:‏ ووليت حذيفة بن اليمان ما سقت دجلة ووليت عثمان بن حنيف الفرات وما سقى أذربيجان فاجعلوا الشطر الثاني بين هؤلاء الثلاثة‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ بعث عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه عثمان بن حنيف إلى العراق عاملًا وأمره بمساحة سقي الفرات فمسح الكور والطساسيج بالجانب الغربي من دجلة وكان كور فيروز وهي طسوج الأنبار وكان أول السواد شربًا من الفرات ثم طسوج مسكن وهو أول حدود السواد في الجانب الغربي من دجلة وشربه من دجيل ويتلوه طسوج قطربل وشربه أيضًا من دجيل ثم طسوج بادرويا وهو طسوج مدينة السلام وكان أجل طساسيج السواد جميعًا وكان كل طسوج يتقلده فيما يقدم عامل واحد سوى طسوج بادرويا فإنه كان يتقلده عاملان لجلالته وكثرة ارتفاعه ولم يزل خطيرًا عند الفرس ومقدمًا على ما سواه وورد عثمان بن حنيف المدائن في حال ولايته أخبرنا عبد الرحمن بن القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا عبد اللهّ بن إسحاق البصري أخبرنا علي بن عبد العزيز حدَّثنا أبو عبد اللهّ حدَثنا الأنصاري محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز‏:‏ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمار بن ياسر إلى أهل الكوفة على صلاتهم وجيوشهم وعبد اللهّ بن مسعود على قضائهم وبيت مالهم عثمان بن حنيف على مساحة الأرض ثم فرض لهم في كل يوم شاة شطرها وسواقطها لعمار والشطر الآخر بين هذين الرجلين ثم قال‏:‏ ما أوى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سريعًا في خرابها‏.‏

قال‏:‏ ومسح عثمان بن حنيف الأرض فجعل على جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب النخل خمسة دراهم وعلى جريب القصب ستة دراهم وعلى جريب البر أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين‏.‏

قال أبو عبيِد‏:‏ وحدَّثنا إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي‏:‏ أن عمر رضي اللّه عنه بعث عثمان بن حنيف فمسحِ السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهمًا وقفيزاَ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ وأرى هذا الحديث هو المحفوظ‏.‏

ويقال إن حد السواد الذي وقعت عليه المساحة من لدن تخوم الموصل مادًا من الماء إلى ساحل البحرين من بلاد عبادان وشرقي دجلة هذا طوله‏.‏

وأما عرضه‏:‏ فحده منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب فهذا حدود السواد وعليها الخراج وقع‏.‏

وفي رواية أبي مجلز قال‏:‏ بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف على خراج السواد ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم وأمره أن يمسح السواد عامره وغامره ولا يمسح سبخه ولا تلاله ولا أجده ولا مستنقع ماء وما لا يبلغه الماء فمسح كل شيء دون الجبل يعني جبل حلوان إلى أرض العرب وهو أسفل الفرات وكتب إلى عمر‏:‏ إني وجدت كل شيء بلغه الماء من عامر وغامر ستة وثلاثين ألف ألف جريب وكان ذراع عمر الذي مسح به السواد ذراعًا وقبضة والإبهام مضجعة‏.‏

وكتب إليه عمر‏:‏ أن أفرض على كل جريب عامر أو غامر عمله صاحبه أو لم يعمله درهمًا وقفيزًا وفرض على الكروم كل جريب عشرة دراهم وعلى الرطاب خمسة دراهم وأطعمهم النخل والشجر فقال‏:‏ هذا قوة لهمِ على عمارة بلادهم وفرض على رقاب أهل الذمة على الموسر ثمانية وأربعين درهماَ وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين وعلى من لا يجد اثني عشر درهمًا فحمل من خراج سواد الكوفة إلى عمر في أول سنة ستة وثمانون ألف ألف درهم وحمل من قابل عشرون ومائة ألف ألف درهم فلم يزل على ذلك‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وقد ذكرنا أن مقدار هذا الطول مائة وخمسة وعشرون فرسخًا وقدو العرض ثمانون فرسخًا فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف وجباه عمر بن عبد العزيز مائة ألف ألف درهم وأربعة وعشرون ألف ألف درهم بعد أن جباه الحجاج بظلمه وعسفه مائة ألف ألف وثمانية عشر ألف ألف درهم وكان الحجاج قد منع ذبح البقر ليكثر الحرث‏.‏

فقال الشاعر‏:‏

شكونا إليهِ خراب السوادِ ** فحرَّم فينا لحُومَ البَقر

وقد كان هذا السواد يجبي في زمان الأكاسرة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم وكان خراج مصر في أيام فرعون ستة وتسعين ألف ألف دينار فجباها عبد اللّه بن الحبحاب في أيام بني أمية ألفي ألف وسبع مائة ألف وثلاثة وعشرين ألفأ وثمانمائة وسبع دنانير وحمل منها عيسى بن موسى في أيام بني العباس ألفي ألف ومائة ألف وثمانين ألف دينار‏.‏

وإنما سمي سوادأ لأن العرب حين جاءوا نظروا إلى مثل الليل من النخل والشجر والماء فسمُوه سوادًا‏.‏

وذكر بعض أهل العلم أن الفرس كانت تجبي خراج فارس أربعين ألف ألف مثقال لأنها بلاد ضيقة وتجبي كرمان لكثرة عيونها وقنبها ستين ألف ألف مثقال لأنها كثيرة العيون وتجبي خوزستان خمسين ألف ألف درهم والسواد مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم والجبل والري إلى حلوان ثلاثين ألف ألف سوى خراسان ويخففون الخراج على الأطراف‏.‏

وذكر بعض العلماء أنه كان خراج مصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار وخراج قنسرين والعواصم أربعمائة ألف دينار وخراج وفي هذه السنة‏:‏ ضربت الدراهم على نقش الكسروية وعلى تلك السكك بأعيانها إلا أنه جعل فيها اسم الله فبعضها كتب فيه الحمد لله وبعضها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضها إلا إله إلا الله وبعضها عمر‏.‏

وفيها‏:‏ سار عمرو بن العاص إلى طرابلس وهي برقة وصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار‏.‏

وفيها‏:‏ حج عمر بن الخطاب بالناس وخلف على المدينة زيد بن ثابت‏.‏

وفيها‏:‏ ولد الحسن البصري وعامر الشعبي‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جعال بن سراقة الضمري

ويقال‏:‏ جُعيل وغير النبي صلى الله عليه وسلم إسمه فسمَاهُ عمر‏.‏

وكان دميمًا قبيح الخلق إلا أنه كان رجلًا صالحًا أسلم قديمًا وشهد أحدًا والمشاهد بعدها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرًا إلى المدينة بسلامتهم في غزاة ذات الرقاع ولما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمِ حنين قال سعد بن أبي وقاص‏:‏ يا رسول اللّه أعطيت الأقرع وعيينة وتركت جعيلاَ‏!‏ فقال‏:‏ ‏"‏ والذي نفسي بيده لجعيل خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ‏"‏ حممه‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قالت‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ قال حميد بن عبد الرحمن كان رجل يقال له حممة من أصحاب رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصبهان غازيَاَ وفتحت في خلافة عمر فقال‏:‏ اللهم إن حممة يزعم أنه يحب لقاءك فإن كان صادقًا فاعزم عليه بصدقه وإن كان كاذبًا فاعزم له عليه وإن كره اللهم لا تردّ حممة في سفره هذا‏.‏

فمات بأصبهان فقام أبو موسى فقال‏:‏ ألا إنا واللّه ما سمعنا من نبيكم وما بلغ علمنا إلا أن حممة شهيد رحمه اللهّ‏.‏

 خالد بن الوليد

ابن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم أبو سليمان رضي اللّه عنه‏.‏

وأمه عصماء وهي لبابة الصغرى بنت الحارث بن حرب وهي أخت أم الفضل بنت الحارث بن عبد المطلب أم بني العباس بن عبد المطلب رضي اللهّ عنه‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد‏.‏

قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَّثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث قال‏:‏ سمعت أبي يحدث قال‏:‏ قال خالد بن الوليد‏:‏ لما أراد اللّه بي ما أراد من الخير قذف في قلبي حًبّ الإسلام وحضرني رشدي فقلت‏:‏ قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد وليس موطن أشهده إلا انصرفت وأنا أرى في نفسي إلى موضع في عريني وأن محمدآَ سيظهر ودافعته قريش بالرماح يوم الحديبية وقلت‏:‏ أين أذهب‏.‏

وقلت‏:‏ أخرج إلى هرقل ثم قلت‏:‏ أخرج من ديني إلى نصرانية أو إلى يهودية فأقيم مع العجم تابعاَ لها مع عيب ذلك عليّ ودخل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم مكة عام القضية فتغيبت فكتب إليً أخي‏:‏ لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقله عقلك ومثل الإسلام جهله أحد وقد سألني رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم عنك فقال‏:‏ أين خالد فقلتَ‏:‏ يأتي الله به‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ ما مثل خالد جهل الإسلام ‏"‏ فاستدرك يا أخي ما فاتك‏.‏

فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة النبي صلى الله عليه وسلم وأرى في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلد أخضر واسع فقلت‏:‏ إن هذه لرؤيا فذكرت بعد لأبي بكر فقال لي‏:‏ هو مخرجك الذي هداك اللهّ فيه إلى الإسلام والضيق‏:‏ الشرك‏.‏

فأجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبت مَنْ أصاحب فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة وخرجنا جميعًا فأدلجنا سحرًا فلما كنا بالهدة إذا عمرو بن العاص فقال‏:‏ مرحبًا بالقوم فقلنا‏:‏ وبك‏.‏

قال‏:‏ أين مسيركم فأخبرناه وأخبرنا أنه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفر سنة ثمان فلما طلعت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سلَّمت عليه بالنبوة فردّ علي السلام بوجه طلق فأسلمت فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ قد كنت أرى لك عقلًا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير ‏"‏ وبايعت رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وقلت‏:‏ استغفر اللّه لي كلما أوضعت فيه من صَدٍّ عن سبيل اللهّ تعالى‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ إن الإسلام يجُب ما قبله ‏"‏ ثم استغفر لي وتقدم عمرو وعثمان بن طلحة فأسلما فواللّه ما كان رسولَ اللهّ صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بي أحدأ من أصحابه فيما يَجْزيه‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وحدًثني إسماعيل بن مصعب عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت قال‏:‏ لما كان يوم مؤتة وقتل الأمراء أخذ اللواء ثابت بن أقرم وجعل يصيح‏:‏ يال الانصار‏.‏

فجعل الناس يثبون إليه فنظر إلى خالد بن الوليد فقال‏:‏ خذ اللواء يا أبا سليمان‏.‏

فقال‏:‏ لا آخذه أنت أحق به لك سن وقد شهدت بدرأ‏.‏

قال ثابت‏:‏ خذه أيها الرجل فوالله ما أخذته إلا لك وقال ثابت للناس‏:‏ اصطلحتم على خالد‏.‏

فقالوا‏:‏ نعم‏.‏

فأخذ خالد اللواء فحمله‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ سمعت خالد بن الوليد يقول‏:‏ لقد انقطع في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وصبرت في يدي صفحة ثمانية‏.‏

قال علماء السير‏:‏ دخل خالد بن الوليد يوم الفتح من الليط فوجد جمعًا من قريش يمنعونه الدخول فقاتلهم فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ألم أنه عن القتال لما فقيل‏:‏ خالد قوتل فقاتل‏.‏

فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ قضاء اللّه خير ‏"‏‏.‏

وخرج خالد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين وإلى تبوك ثم بعثه إلى أكيدر دومة وخرج معه في حجة الوداع فلما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه أعطاه ناصيته فكانت في مقدمة قلنسوته فكان لا يلقى أحدأ إلا هزمه‏.‏

وسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ سيف الله ‏"‏‏.‏

وقد سبق ذكر أحواله في المجاهدات وكان شجاعًا فكان يقول‏:‏ لا أدري من أي يوميّ أفرّ من يوم أراد اللّه أن يهدي لي فيه شهادة أو من يوم أراد أن يهدي لي فيه كرامة‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللّه قال‏:‏ حدَثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَّثنا شعيب قال‏:‏ حدَّثنا سيف عن مبشر عن سالم قال‏:‏ حج عمر واشتكى خالد بعده وهو خارج من المدينة زائرأ لأمه فقال لها‏:‏ احذروني إلى مهاجرتي فقدمت به المدينة ومرضته فلما ثقل وأطل عمر لقيه لاقٍ على مسيرة ثلاث صادرًا عن حجه فقال له عمر‏:‏ مَهْيَم‏.‏

فقال‏:‏ خالد بن الوليد‏.‏

لما به‏.‏

فطوى ثلاثًا في ليلة فأدركه حين قضى فرق عليه واسترجع وجلس ببابه حتى جُهز وبكته البواكي فقيل لعمر‏:‏ ألا تسمع‏!‏ ألا تنهاهن فقال‏:‏ وما على قريش أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة - النقع‏:‏ الشق‏.‏

أنتَ خيرٌ من ألف ألفٍ من الناس إذا ما كبت وجُوه الرجال أشجاع فأنت أشجع من ليث عرين جهم أبي أشبال أجواد فأنت أجود من سيل دياس يسيل بين الجبال فقال عمر‏:‏ مَنْ هذه‏.‏

فقيل‏:‏ أمه‏.‏

فقال‏:‏ أمه والهًا له - ثلاثًا - هل قامت النساء عن مثل خالد‏.‏

وكان عمر يتمثل في طيّه تلك الثلاث في ليلة وبعد ما قدم‏:‏ تبكي ما وصلت به الندامى ولا تبكي فوارس كالجبال أولئك إن بكيتَ أشد فقد أمن إلا ذهاب والفكر الحلال تمنى بعدهم قوم مداهم فلم يدنو الأسباب الكمال وهذا الحديث يدل على أنه مات بالمدينة‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ مات بحمص ودفن في قرية على ميل من حمص‏.‏

قالوا‏:‏ ووصَّى إلى عمر فقدم عليه بالوصيّة فقبلها‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل بن الضراب قال‏:‏ أخبرنا أبي قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن مروان المالكي قال‏:‏ حدَّثنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدَثنا الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد‏:‏ أن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى وقال‏:‏ لقد لقيت كذا وكذا زحفًا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير فلا نامت عين الجبناء‏.‏

عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس

فأما أبوه فشهد بدرًا ويقال له‏:‏ سعد القارىء‏.‏

ويروي الكوفيون أنه أبو زيد الذي جمع القرآن على عهد رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقتل سعد بالقادسية شهيدًا‏.‏

وأما عمير فصحب رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وولَّاه عمر حمص وكان يقال له‏:‏ نسيج وحده‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قال‏:‏ أخبرنا أبو الفضل أحمد بن أحمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ حدَّثنا سليمان بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن المرزبان قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن حكيم الرازي قال‏:‏ حدَّثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة قال‏:‏ حدَّثني أبي عن جدي عن عمير بن سعد قال‏:‏ بعثه عمر بن الخطاب عاملًا على حمص فمكث حولًا لا يأتيه خبره فقال عمر لكاتبه‏:‏ اكتب إلى عمير فواللهّ ما أراه إلا قد خاننا‏:‏ ‏"‏ إذا جاءك كتابي هذا فاقبل وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأخذ عمير جرابه فجعل فيه زاده وقصعته وعلق أدواته فأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة وقد شحب لونه وأغبر وجهه وطال شعره فدخل على عمر فقال‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه‏.‏

قال عمر‏:‏ ما شأنك‏.‏

فقال عمير‏:‏ ما ترى من شأني أليس تراني صحيح البدن ظاهر الدَّم معي الدنيا أجرها بقرنها‏.‏

قال‏:‏ وما معك‏.‏

فظن عمر أنه قد جاء بمال‏.‏

فقال‏:‏ معي جرابي أجعل فيه زادي وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدواَ إن عرض لي فواللّه ما الدنيا إلا نفع لمتاعي قال عمر‏:‏ فجئت تمشي‏.‏

قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها‏.‏

قال‏:‏ ما فعلوه وما سألتهم ذلك‏.‏

فقال عمر‏:‏ بئس المسلمين خرجت من عندهم‏.‏

فقال عمير‏:‏ اتق الله يا عمر قد نهاك اللّه عن الغيبة وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة‏.‏

قال عمر‏:‏ بعثتك وأي شيء صنعت‏.‏

فقال‏:‏ وما سؤالك يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال‏:‏ سبحان اللهّ‏.‏

فقال عمير‏:‏ أما أني لولا إني أخشى أن أعمل ما أي تك بعثتني حتى أتيت البلد فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه ولو نالك منه شيء لأتيتك به‏.‏

قال‏.‏

فما جئتنا بشيء‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ جددوا لعمير عهدًا‏.‏

قالت‏:‏ إن ذلك لشيء لا عملته لك ولا لأحدٍ بعدك واللهّ ما سلمت بل لم أسلم‏.‏

قلت‏:‏ لنصراني‏.‏

أخزاك اللهّ هذا ما عرضتني له وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك‏.‏

ثم استأذنه فأذن له فرجع إلى منزله وبينه وبين المدينة أميال فقال عمر حين انصرف عمير‏:‏ ما أراه إلا قد خاننا‏.‏

فبعث رجلًا يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار وقال‏:‏ انطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف فإن رأيت أثر شيء فأقبل وإن رأيت حالَاَ شديدًا فادفع إليه هذه المائة دينار‏.‏

فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصًا إلى جنب الحائط فسلم عليه الرجل فقال له عمير‏:‏ انزل رحمك اللّه‏.‏

فنزل ثم سأله فقال‏:‏ من أين جئت فقال‏:‏ من المدينة‏.‏

قال‏:‏ فكيف تركت أمير المؤمنين قال‏:‏ صالحًا‏.‏

قال‏:‏ فكيف تركت المسلمين‏.‏

قال‏:‏ صالحين‏.‏

قال‏:‏ أليس يقيم الحدود قال‏:‏ بلى ضرب ابنًا له على فاحشة فمات من ضربه‏.‏

قال عمير‏:‏ اللهم أعن عمر فإني لا أعلمه إلا شديدًا حبه لك‏.‏

قال‏:‏ فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرص من شعير كانوا يَخُصُّونه به ويطوون حتى أتاهم الجهْد‏.‏

فقال له عمير‏:‏ إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل‏.‏

قال‏:‏ فأخرج الدنانير فدفعها إليه فقال‏:‏ بعث لك أمير المؤمنين فاستعن بها‏.‏

قال‏:‏ فصاح وقال‏:‏ لا حاجة لي فيها رُدّها‏.‏

فقالت له امرأته‏:‏ إن احتجت إليها وإلا فضعها في مواضعها فقال عمير‏:‏ واللهّ ما لي شيء أجعلها فيه‏.‏

فشقت المرأة أسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها ثمِ خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئاَ‏.‏

فقال له عمير‏:‏ أقرىء مني أمير المؤمنين السلام‏.‏

فرجع الحارث إلى عمر فقال‏:‏ ما رأيتَ قال‏:‏ رأيت حالًا شديدًا‏.‏

قال‏:‏ فما صنع بالدنانير‏.‏

قال‏:‏ لا أدري‏.‏

قال‏:‏ فأقبل إلى عمر فدخل عليه فقال له عمر‏:‏ ما صنعت بالدنانير فقال‏:‏ صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها‏.‏

قال‏:‏ أنشدك اللّه إلا ما أخبرتني ما صنعت بها قال‏:‏ قدمتها لنفسي‏.‏

قال‏:‏ رحمك اللّه‏.‏

فأمر له بوسقٍ من طعام وثوبين فقال‏:‏ ما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى أن آكل ذلك قد جاء اللّه بالرزق‏.‏

ولم يأخذ الطعام‏.‏

وأما الثوبان فإن أم فلان عارية‏.‏

فأخذهما ورجع إلى منزله فلم يلبث أن هلك - رحمه اللّه - فبلغ ذلك عمر فشق عليه وترحم عليه وخرج يمشي معه ومعه المشاؤون إلى بقيع الغرقد فقال لأصحابه‏:‏ ليتمنَّ كل منكم أمنية‏.‏

فقال رجل‏:‏ وددت يا أمير المؤمنين أن عندي مالًا فأعتق لوجه الله كذا وكذا‏.‏

وقال آخر‏:‏ وددت أن عندي مالأ فأنفق في سبيل اللّه‏.‏

وقال آخر‏:‏ وددت أن لي قوة فأنضح بدلوٍ من زمزم لحجاج بيت اللّه‏.‏

فقال عمر‏:‏ وعدت أن لي رجلًا مثل عمير استعين به في أعمال المسلمين‏.‏

عويم بن الحارث بن زيد بن حارثة

ابن الجد بن عجلان

شهد أحدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما قدم من تبوك رمى امرأته بشريك بن سحماء فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فيِ مسجده بعد العصر قائمين عند المنبر وذلك من شعبان سنة تسع فلما ولدت جاءت به أشبه الناس بشريك من سحماء وكان قوم عويم قد لاموه فيما قال فلما رأوه يشبه شريكأ عذروه فيما قال‏.‏

وعاش المولود سنتين ثم مات وعاشت أمه بعده يسيرأ وكان شريك عند الناس بحال سوء بعد وقد شهد شريك أحدأَ أيضًا‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 أن معاوية غزا الصائفة ودخل بلاد الروم في عشرة آلاف من المسلمين

أنبأنا أبو القاسم زاهر بن طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا‏:‏ أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحاكم قال‏:‏ حدَّثني أبو بكر محمد بن الفضل الفقيه قال‏:‏ حدَّثنا أبو نعيم عبد الملك بن علي قال‏:‏ حدَّثنا صالح بن علي النوفلي قال‏:‏ حدَّثنا عبد اللّه بن محمد بن ربيعة القُدَاميّ قال‏:‏ حدَّثنا عمر بن المغيرة عن عطاء بن العجلان عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ أسرت الروم عبد اللهّ بن حذافة السهمي صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال له الطاغية‏:‏ تنصَرْ وإلا قتلتلك أو ألقيتك في النقرة النحاس‏.‏

قال‏:‏ ما أفعل‏.‏

فدعى بنقرة نحاس فملئت زيتًا وأغليت ودعى رجلًا من المسلمين فعرض عليه النصرانية فأبى فألقاه في النقرة فإذا بعظامه تلوح‏.‏

فقال لعبد اللّه بن حذافة‏:‏ تنصر وإلا ألقيتك‏.‏

قال‏:‏ ما أفعل‏.‏

فأمر به أن يلقى في النقرة فكتفوه فبكى فقالوا‏:‏ قد جزع وبكى‏.‏

قال‏:‏ ردُّوه‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ لا تظن أني بكيت جزعًا ولكن بكيت إذ ليس بي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في سبيل اللهّ عز وجل كنت أحب أن يكون لي من الأنفس عدد كل شعرة فيَ ثم تُسلط عليَّ فتفعل بي هذا‏.‏

قال‏:‏ فأعجب به وأحب أن يطلقه فقال‏:‏ قبّل رأسي وأطلقك‏.‏

قال‏:‏ ما أفعل‏.‏

قال‏:‏ تنصًر وأزوجك ابنتي وأقاسمك ملكي‏.‏

قال‏:‏ ما أفعل‏.‏

قال‏:‏ قبّل رأسي وأطلق معك ثمانين من المسلمين‏.‏

فقال‏:‏ أما هذا فنعم‏.‏

فقبل رأسه فأطلقه وثمانين معه‏.‏

فلما قدموا على عمر قام إليه عمر فقبَّل رأسه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمازحون عبد اللّه فيقولون‏:‏ قبل رأس العلج‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة‏:‏

 أن عمر رضي الله عنه كتب إلى نعمي بن مقرن

أن سر حتى تأتي همدان وابعث على مقدمتك سويد بن مقرن وعلى مجنبتك ربعي بن عامر ومهلهل بن زيد الطائي فخرج حتى نزل ثنية العسل وسُميَت ثنية العسل لأجل العسل الذي أصابوا فيها عند وقعة نهاوند ثم انحدر نعيم من الثنية حتى نزل على مدينة همدان وقد تحصنوا فيها فحاصرهم واستولى علي بلاد همدان كلها فلما رأى ذلك أهل همدان سألوه الصلح فأجابهم وقبل منهم الجزية‏.‏

وقال ربيعة بن عثمان‏:‏ كان فتح همذان في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من مقتل عمر وجيوشه عليها‏.‏

ومنها‏:‏ فتح الري‏:‏ قالوا‏:‏ وخرج نعيم بن مقرن إلى الري فبعث مَنْ دخل عليهما من حيث لا يشعرون ثم قاتلهم وأخرب مدينتهم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ إنما فتح همدان والري في سنة ثلاث وعشرين‏.‏

ومنها‏:‏ فتحِ قومس‏:‏ وكتب عمر إلى نعيم أن قدم سويد بن مقرن إلى قومس فذهب وأخذها سلماَ وكتب لهم كتاب أمانٍ‏.‏

ومنها‏:‏ أن عمر أمر عبد الرحمن بن ربيعة أن يغزو الترك فقصدهم فحال اللّه بينهم وبين الخروج عليه وقالوا‏:‏ ما اجترأ علينا هذا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت فتحصنوا وهربوا فرجع بالغنم والظفر في إمارة عمر‏.‏

ثم غزاهم غزوات في زمن عثمان حتى قتل في بعض مغازيه إياهم فهم يستسقون بجسده‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ حج عمر بن الخطاب بالناس‏.‏

وفيها‏:‏ ولد يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان وقيل‏:‏ إنما ولد يزيد في سنة خمس وعشرين‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 خرج الأحنف بن قيس إلى خراسان فحارب يزدجرد

وبعضهم يقول‏:‏ كان ذلك في سنة ثمان عشرة‏.‏

وقد ذكرنا أن الأحنف أشار على عمر بقصد يزدجرد وأن عمر عقد الألوية ودفع لواء خراسان إلى الأحنف بن قيس فافتتح هراة عنوة ثم سار نحو مرو وأرسل إلى نيسابور مطرف بن عبد الله بن الشخير وكتب يزدجرد وهو بمرو إلى خاقان يستمده وإلى ملك الصغد يستمده وإلى ملك الصين يستعين به ولحقت بالأحنف أمداد أهل الكوفة فسار إلى موضع فبلغ يزدجرد فخرج إلى بلخ فسار أهل الكوفة إلى بلخ فالتقوا بيزدجرد فهزمه اللّه تَعالى فعبر النهر ولحق الأحنف بأهل الكوفة وفتح الله عليهم وعاد الأحنف إلى مَرْو الروذ فنزلها ثم أقبل يزدجرد ومعه خاقان إلى مَرْو الروذ فخرج الأحنف ليلًا في عساكره يتسمع هل يسمع برأي ينتفع به‏.‏

فمرَّ برجلين يقول أحدهما للآخر‏:‏ لو أن الأمير أسندنا إلى هذا الجبل فكان النهر بيننا وبين عدونا خندقًا وكان الجبل في ظهورنا أمنّا أن يأتونا من خلفنا ورجونا أن ينصرنا اللّه تعالى‏.‏

فارتحل فأسندهم إلى الجبل ثم خرج الأحنف ليلة فرأى كبيرأ منهم فقتله ثم آخر ثم آخر وانصرف إلى عسكره ولم يعلم به أحد فخرجوا فرأوا أولئك مقتولين فقال خاقان‏:‏ ما لنا في قتال هؤلاء خير‏.‏

فانصرف بأصحابه إلى بلخ فقال يزدجرد‏:‏ إني أريد أن اتبع خاقان فأكون معه‏.‏

فقالوا‏:‏ أتدع قومك وأرضك وتأتي قومًا في مملكتهم عُد بنا إلى هؤلاء القوم أنصالحهم فإن عدوًا يلينا في بلادنا أحب إلينا من عدوٍ يلينا في بلاده‏.‏

فأبى عليهم وأبوا عليه إلى أن قالوا له‏:‏ فدع خزائننا نردها إلى بلادنا‏.‏

فأبى عليهم وأبوا عليه‏.‏

فقالوا‏:‏ إنا لا ندعك‏.‏

فاعتزلوا وتركوه في حاشيته وقاتلوه فهزموه وأخذوا الخزائن واستولوا عليها وركبوه وكتبوا إلى الأحنف بالخبر ومضى يزدجرد بالأثقال إلى فرغانة والترك فلم يزل مقيمًا زمان عمر كله فأقبل أهل فارس إلى الأحنف بن قيس وصالحوه وعاقدوه ودفعوا إليه الخزائن والأموال ورجعوا إلى بلادهم واموالهم على أفضل ما كانوا في زمان الأكاسرة وأصاب الفارس يوم يزدجرد كسهم الفارس يوم القادسية‏.‏

ولما رجع أهل خراسان زمان عثمان أقبل يزدجرد حتى نزل قم واختلف هو ومَنْ معه فقُتل ورُمي في النهر‏.‏

وما عرفنا أحدًا من الأكابر توفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 فتح إصطَخر وتوج

قال أبو معشر‏:‏ كانت فارس الأولى وإصطخر الآخرة سنة ثلاث وعشرين وكانت فارس الآخرة سنة تسع وعشرين‏.‏

وفي سنة ثلاث وعشرين وقعة فَسا ودار بِجَرْدَ‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدَّثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَثنا شعيب قال‏:‏ حدَّثنا سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو قالوا‏:‏ قصد سارية بن زُنَيم فَسا وَدارَا بجرْد فحاصرهم فتجمعت إليه أكراد فارس فَدَهَمَ المسلمين أمر عظيم ورأى عمر في ليلةٍ فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في ساعةٍ من النهار فنادى من الغد‏:‏ الصلاة جامعة‏.‏

حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم وكان أرِيهم والمسلمون بصحراء إن أقاموا بها أحيط بهم وإن أرَزُوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجهٍ واحد فقام فقال‏:‏ أيها الناس إني أريت هذين الجمعين - وأخبر بحالهما - ثم قال‏:‏ يا سارية الجبل الجبل‏.‏

ففعلوا وقاتلوا القوم من وجهٍ واحد فهزمهم الله عز وجل وكتبوا بذلك إلى عمر‏.‏

وحدَّثنا سيف عن أبي عمر دثار بن أبي شبيب عن عثمان وأبي عمرو بن العلاء عن رجل من بني مازن قال كان عمر قد بعث سارية بن زنيم إلى فَسا ودارا بِجَرْد فحاصرهم ثم انهم تداعَوْا فأصحروا وأتوه من كل جانب فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعةٍ‏:‏ يا سارية بن زنُيم الجبل الجبل‏.‏

ولما كان ذلك اليوم و إلى جنب المسلمين جبل إن لجأوا إليه لم يؤتوا إلا من وجهٍ واحد فلجأوا إلى الجبل ثم قاتلوهم فهزموهم وأصاب مغانمهم وأصاب في المغانم سَفَطًا فيه جوهر فاستوهبه من المسلمين لعمر فوهبوه له فبعث به مع رجل وبالفتح‏.‏

وكان الرسل والوفد يُجازون وتُقضى لهم حوائجهم‏.‏

فقال له سارية‏:‏ استقرض ما تُبلّغ به وتُخلَفه لأهلك على جائزتك‏.‏

ففعل ثم خرج فقدم على عمر فوجده يطعم لناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره فقال‏:‏ اجلس‏.‏

فجلس حتى إذا أكل القوم انصرف عمر وقام فاتبعه فظن عمر أنه لم يشبع فقال حين انتهى إلى باب داره‏:‏ ادخُل‏.‏

فلما جلس في البيت أتى بغَدائه‏:‏ خبز وزيت وملح جريش‏:‏ فوضع فقال‏:‏ ألا تخرجين يا هذه فتأكلين قالت‏:‏ إني لأسمع حسَّ رجلٍ فقال‏:‏ أجل‏.‏

فقالت‏:‏ لو أردت أن أبرز للرجال لاشتريت لي غير هذه الكسوة فقال‏:‏ أو ما ترضَينْ أن يقال‏:‏ أم كلثوم بنت عليّ وامرأة عمر‏!‏ فقالت‏:‏ ما أقل غَناء ذلك عني‏!‏ ثم قال للرجل‏:‏ ادنُ فكلْ‏.‏

فلما أكلا وفرغا قال‏:‏ أنا رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ مرحباَ وأهلًا‏.‏

فأدناه حتى مست ركبتُهُ ركبَتَه ثم سأله عن المسلمين ثم سأله عن سارية بن زنيم فأخبره بقصّة الدُّرْج فنظر إليه ثم صاح به‏:‏ لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجند فتقسمه بينهم‏.‏

فطرده‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني قد أنضيتُ إبلي واستقرضت على جائزتي فأعطني ما أتبلًغ به فما زال به حتى أبدله بعيرًا ببعيره من إبل الصدقة وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة ورجع الرسول محرومًا حتى دخل البصرة قد سأله أهل المدينة عن سارية وعن الفتح وهل سمعوا شيئًا يوم الوقعة فقال‏:‏ نعم سمعنا يا سارية الجبل وقد كدنا نهلك فألجأنا إليه ففتح اللّه علينا‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَّثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه وأبي سليمان عن يعقوب قالا‏:‏ خرج عمر بن الخطاب يوم الجمعة إلى الصلاة فصعد إلى المنبر ثم صاح‏:‏ يا سارية بن زنيم الجبل‏.‏

يا سارية بن زنيم الجبل ظلم من استرعى الذئب الغنم‏.‏

ثم خطب حتى فرغ فجاء كتاب سارية بن زنيم إلى عمر أن الله فتح علينا يوم الجمعة لساعة كذا وكذا - لتلك الساعة التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر - قال سارية‏:‏ سمعت صوتًا ‏"‏ يا سارية بن زنيم الجبل ظلم من استرعى الذئب الغنم فعلوت بأصحابي الجبل ونحن قبل ذلك في بطن وادي ونحن محاصرو العدو وفتح الله علينا‏.‏

فقيل لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ ما ذلك الكلام فقال‏:‏ والله ما ألقيت له إلا بشيء أتى على لساني‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ كان فتح كَرْمَان وغنم المسلمون منها ما شاءوا من الشاة والبعير‏.‏

وفيها‏:‏ فتحت سِجسْتَان وصالح أهلها المسلمين‏.‏

وفيها‏:‏ فتحت مكران وبَيْرُوذ‏.‏

وفيها‏:‏ غزا معاوية أرض الروم حتى بلغ عمورية وكان في ذلك أبو أيوب الأنصاري وعبادة بن وفي هذه السنة‏:‏ فتح معاوية عسقلان على صلح‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ حج عمر بأزواج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهي آخر حجة حجها بالناس‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللهّ قال‏:‏ حدثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَثنا شعيب عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بإسنادهم قالوا‏:‏ حج عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم معهن أولياءهن ممَنْ لا تحتجبن منه وجعل في مقدم قطارهن‏:‏ عبد الرحمن بن عوف وفي مؤخره‏:‏ عثمان بن عفان فلما ردَهن شخص بهما وبالعباس وخلفنا عليًا عليه السلام على الناس ثم أسرع حتى قدم الجابية يوم الوقعة فأتاه الفتح بها وركب عمر رضي اللّه عنه مع الجابية يريد الأردن ووقف له المسلمون وأهل الذمة فخرج عليهم على حمار وأمامه العباس على فرس فلما رآه أهل الكتاب سجدوا فقال‏:‏ لا تسجدوا للبشر واسجدوا لله‏.‏

ومضى فقال القسيسون والرهابن‏:‏ ما رأينا أحدًا أشبه بما يوصف من الحواريين من هذا الرجل‏.‏

ثم دخل الأردن على بعير فلما انتهى إلى الأردن أتى على فيض ماء فأخذت الخيول يمنةً ويسرةً فنزل عن بعيره فأخاضه وأخاض فدنا منه أبو عبيدة فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك في بلاد الأعاجم وقد ساءني ما رأيت من ابتذالك خشية أن يجري ذلك البطارقة علينا فسكت حتى دخل فعمد إلى المنبر فأطاف به الناس فدعا أبا عبيدة فأقامه أسفل منه فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ أيها الناس إن اللّه رفعكم وأعزَكم بدينه فاطلبوا العزّ بالدين والكرم تعزوا وتتبعكم الدنيا ولا تطلبوا العزّ بغير الدين فتذلوا واللهّ لو كنت تقدمت إليك من قبل الآن لنكّلت بك‏.‏

ورجع عمر إلى المدينة في المحرم سنة سبع عشرة - هكذا من رواية سيف‏.‏

وغيره يقول‏:‏ كان ذلك في سنة ثلاث وعشرين‏.‏

أخبرنا ابن ناصر أخبرنا أبو الحسين بن المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عبد الله الأنماطي أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم حدَثنا الهيثم بن علي أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن أسلم مولى عمر قال‏:‏ صنع أرخنُ الجابية لعمر بن الخطاب طعامًا في الكنيسة فطعم عمر ثم حضرت الصلاة فصلى عمر بأصحابه في الكنيسة‏.‏

وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاث وعشرين - كان عامل عمر على مكة نافع بن عبد الله الخزاعي - وقيل‏:‏ ابن عبد الحارث وهو الأصح - وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثقفي وعلى صنعاء يعلى بن أمية وعلى حمص عُمير بن سعد وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة وعلى البصرة أبو موسى وعلى مصر عمرو بن العاص وعلى دمشق معاوية بن أبي سفيان وعلى البحرين وما حولها عثمان‏.‏

 عمر بن الخطاب جرحه أبو لؤلؤة

واسمه‏:‏ فيروز‏:‏ فبقي ثلاثًا يصلي في ثيابه التي جرح فيها وتوفي فصلى عليه صهيب‏.‏

ووُلدَ لعلي بن أبي طالب ليلة مات عمر رضي الله وَلَد فسمَّاه عمر‏.‏

وولد لعثمان تلك الليلة ولد فسمَاه عمر‏.‏

وولد لعبيد اللّه بن معمر التيمي ولد فسمَّاه عمر‏.‏

أخبرنا الأول قال‏:‏ أخبرنا ابن المظفر قال‏:‏ أخبرنا ابن أعين قال‏:‏ حدَّثنا الفربري قال‏:‏ حدَثنا البخاري قال‏:‏ حدَّثنا موسى بن إسماعيل قال‏:‏ حدَّثنا أبو عوانة عن حصين عن عمرو بن ميمون قال‏:‏ إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا ابن عباس غداة أصيب فكان إذا مر بين الصفين قال‏:‏ استووا‏.‏

حتى إذا لم ير فيهن ظلًا تقدم فكبروا وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول‏:‏ قتلني أو‏:‏ أكلني الكلبُ حينَ طعَنَه فطارَ العِلجُ بِسكَينٍ ذات طرفين لا يمر على أحد يمينًا ولا شمالًا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلًا مات منهمِ سبعة‏.‏

فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طَرَحَ عليه بُرنسًا فلما ظَنً العِلجُ أنه مأخوذ نحَر نفسَه‏.‏

وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقَدَمه فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون‏:‏ سبحان الله سبحان اللّه‏.‏

فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال‏:‏ يا ابن عباس انظر مَنْ قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال‏:‏ غلام المغيرة‏.‏قال‏:‏ الصَّنَع قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ قاتله الله لقد أمرتُ بهِ معروفًا الحمد لله الذي لم يَجْعَلْ مِيتتي بيدِ رجل يدعي الإسلام‏.‏

قال‏:‏ فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبةٌ قبلَ يومئذٍ‏.‏

فقائل يقول‏:‏ لا بأس وقائل يقول‏:‏ أخاف عليه‏.‏

فأتِيَ بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتيَ بلبن فشربه فخرج من جُرْحِهِ فعلموا أنه مَيِّت‏.‏

فدخلنا عليه وجاء الناس فجعلوا يُثنونَ عليه‏.‏

وجاء رجل شاب فقال‏:‏ أبشر يا أمير المؤمنين ببُشْرَى اللّه لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدَمٍ في الإسلام ما قد علمت ثم وليتَ فعدَلتَ ثم شهادة‏.‏

قال‏:‏ وَعِدْت أن ذلك كفاف لا عليَّ ولا لي‏.‏

فلما أدبر إذا إزارُه يَمَسُ الأرض قال‏:‏ رُدوا عليَّ الغُلامَ‏.‏

قال‏:‏ يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربِّك‏.‏

يا عبد اللّه بن عمر انظُرْ ما عليَ من الدَّين‏.‏

فحسَبوهُ فوجدوهُ ستَةَ وثمانين ألفًا أو نحوه‏.‏

قال‏:‏ إن وَفى لهُ مالُ آل عمرَ فأدَهِ من أموالهم وإلَّا فسَلْ في بني عَدي بن كعب فإن لم تَفِ أموالُهم فسَل في قُرَيْش ولا تَعْدُهم إلى غيرهم فأدِّ عني هذا المال‏.‏

انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل لهَا‏:‏ إن عمر يقرأ عليك السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني اليوم لست للمؤمنين أميرًا وقل‏:‏ يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفَنَ مع صاحبيه‏.‏

فمضى فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال‏:‏ عمر يقرأ عليك السلام ويستأذِنُ أن يُدفَنَ مع صاحبَيهِ فقالت‏:‏ كنت أريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي فلما أقبل قيل‏:‏ هذا عبد اللّه بن عمر قد جاء‏.‏

قال‏:‏ ارفعوني‏.‏

فأسنده رجل إليه فقال‏:‏ ما لديك قال‏:‏ الذي تحب يا أمير المؤمنين إنها قد أذنت‏.‏

قال‏:‏ الحمد لله ما كان من شيء أهُم إليً من ذلك فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلم فقل‏:‏ يستأذنُ عمر بن الخطاب فإن أذنَتْ لي فأدخلوني وإن ردّتني رُدُوني إلى مقابر المسلمين‏.‏

وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تَسير ُمعها فلما رأيناها قمنا فوَلجَت عليه فبكَتْ عندَه ساعة واستأذن الرجال فوَلَجتْ داخلًا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فقالوا‏:‏ أوص يا أمير المؤمنين استَخْلِف‏.‏

قال‏:‏ ما أجدُ أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفَرِ - أو الرهطِ - الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ‏.‏

فسمى عليًا وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن وقال‏:‏ يَشهَدُكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء - كهيئة التعزية له - فإن أصابتِ الِإمرةُ سعدًا فهو ذاك وإلا فلْيَسْتَعِنْ به أيُكم ما أمِّر فإني لم أعزِلْه عن عجر ولا خيانة‏.‏

وقال‏:‏ أوصِي الخليفةَ من بعدِي بالمهاجرِينَ الأوَلين أن يعرِفَ لهم حقّهم ويَحفَظَ لهم حرمتَهم‏.‏

وأوصِيه بالأنصار خيرًا الذينَ تبَؤاوا الدارَ والإيمانَ من قَبلِهم أن يَقبَلَ من مُحسِنهم وأن يجاوز عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصَار خيرًا فإنهم رِدْء الإسلام وجُباة المال وغيظ العدو وأن لا يؤخذ منهم إلِّاَ فضلهم عن رِضاهم‏.‏

وأوصيه بالأعراب خَيرًا فإنهم أصلُ العرب ومادة الإسلام أن يُؤخذ من حَواشي أموالهم ويُرَدَّ عَلَى فُقَرائهم‏.‏

وأوصيهِ بذَمّة اللّه وذمةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُوفيَ لهم بعهدهم‏.‏

وأن يُقاتل من ورائهم ولا يُكلفوا إلاَ طاقَتَهم‏.‏

فلما قُبِضَ خَرَجنا به فانطلَقْنا نمشي فسلم عبد الله بن عمر قال‏:‏ يَستأذنُ عمر بن الخطاب‏.‏

قالت‏:‏ أدخِلوه فاه دخِل فوُضِعَ هنالك مع صاحبَيه‏.‏

فلما فُرغَ مِن دَفنه اجتمعَ هؤلاء الرهط‏.‏

فقال عبد الرحمن‏:‏ اجعَلوا أمرَكم إلى ثلاثةٍ منكم‏.‏

فقال الزُبَيرُ‏:‏ قد جعلتُ أمري إلى عليّ‏.‏

فقال طلحةُ‏:‏ قد جعلتُ أمري إلى عثمان وقال سعد‏:‏ قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف‏.‏

فقال عبد الرحمن‏:‏ أيُّكما تَبرأ من هذا الأمر فنجعلهُ إليه واللَّهُ عليه والإسلامُ لَينظرَنَّ أفضلَهم في نفسه‏.‏

فأسكِتَ الشيخانِ‏.‏

فقال عبد الرحمن‏:‏ أفتجعلونَهُ إليَ واللَهُ عليَّ أن لا آلو عن أفضلِكم قالا‏:‏ نعم‏.‏

فأخذَ بيدِ أحدهما فقال‏:‏ لكَ قرَابةٌ من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والقدَم في الإسلام ما قد علمتَ فاللَهُ عليكَ لَئن أمَّرْتُكَ لتَعدِلنَّ ولَئن أمَّرتُ عثمانَ لَتسمعنَّ ولَتُطيعنَّ‏.‏

ثُم خَلا بالآخَرِ فقال مثلَ ذلك‏.‏

فلما أخذَ الميثاقَ قال‏:‏ ارفعْ يَدَكَ يا عثمانُ فبايَعَهُ فبايَعَ لهُ علي وولَجً أهلُ الدَّارِ فبايَعوهُ‏.‏

أخرجه البخاري‏.‏

ولما مات عمر قدم الطعام بين أيدي الناس على عادتهم فامتنعوا لموضع حزنهم فابتدأ العباس أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن غيلان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الشافعي قال‏:‏ حدثنا موسى بن يونس بن موسى قال‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال‏:‏ سمعت عمر بن الخطاب يقول‏:‏ إن قريشًا رؤساء الناس لا يدخلون بابًا إلا فتح الله عليهم منه خيرًا‏.‏

فلما مات عمر واستخلف صهيب على إطعام الناس وحضر الناس وفيهم العباس فأمسك الناس بأيديهم عن الأكل فحسر عن ذراعيه وقال‏:‏ يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات فأكلنا وإن أبا بكر مات فأكلنا وإنه لا بد من الأكل‏.‏

فضرب بيده وضرب القوم بأيديهم‏.‏

فعرف قول عمر‏:‏ إن قريشًا رؤساء الناس ‏.‏

قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر أبو عبد اللّه الأنصاري

رضي اللّه عنه‏.‏

شهد بدرًا وأحدًا وأصيبت عينه يومئذ فسالت على وجنتيه فأتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه إن عندي امرأة أحبها وإن هي رأت عيني خشيت أن تقذرني فرَدَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فاستوت ورجعتَ وكانت أقوى عينيه وأصحهما بعد أن كبر‏.‏

وشهد الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت معه راية بني ظفر يوم الفتح‏.‏

وتوفي في هذه السنة وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عمر ونزل في قبره أخوه لأمه أبو سعيد الخدري‏.‏

رضي اللّه عنهم أجمعين‏.‏

 سنة أربع وعشرين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 استخلاف عثمان بن عفان رضي الله عنه

باب ذكر خلافة عثمان رضي اللّه عنه

 ذكر نسبه

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي‏.‏

يكنى أبا عمرو ويقال‏:‏ أبا عبد اللهّ‏.‏

وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس‏.‏

وأمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‏.‏

كان عثمان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما ولد في الإسلام من رقية عبد اللّه اكتنى به فبلغ ست سنين فنقره ديك في عينه فمرض فمات‏.‏

 ذكر صفته

كان عثمان حسن الوجه رقيق البشرة بوجهه نكتات من جدري ليس بالقصير ولا بالطويل كبير اللحية عظيمها أسمر اللون عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين أصلع وكان نقش خاتمه‏:‏ آمن عثمان بالله العظيم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ أسلم عثمان قديمًا قبل دخول رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين معه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ حدَثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدًثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال‏:‏ لما أسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه أخذه عمه الحكم بن أبي العاص فأوثقه رباطًا وقال‏:‏ أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث‏.‏

والله لا أخليك أبدًا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين‏.‏

فقال عثمان‏:‏ والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه‏.‏

فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه‏.‏

قال علماء السير‏:‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلف عثمان على ابنته رقية وكانت مريضة فماتت يوم قدم زيد بن حارثة بشيرًا بما فتح الله على رسول اللهّ ببدر‏.‏

فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه وأجره في بدر فكان كمن شهدها وزوَّجه أم كلثوم بعد رقية فماتت فقال‏:‏ ‏"‏ لو كانت عندي ثالثة لزوَجت عثمان ‏"‏‏.‏

واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع وفي غزوته إلى غطفان‏.‏

 ذكر أولاده

وولدت له فاختة بنت غزوان‏:‏ عبد الله الأصغر‏.‏

وولدت له أم عمرو بنت جندب‏:‏ عمرًا وخالد ًا وأبانًا وعمر ومريم‏.‏

وولدت له فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس‏:‏ الوليد وسعيد وأم سعيد‏.‏

وولدت أم البنين بنت عيينة بن حصن‏:‏ عبد الملك‏.‏

وولدت له رملة بنت شيبة بن ربيعة‏:‏ عائشة وأم أبان وأم عمرو‏.‏

وولدت له نائلة بنت الفرافصة‏:‏ مريم‏.‏

وقُتل وعنده‏:‏ رملة ونائلة وأم البنين وفاختة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ طلق أم البنين وهو محصور‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ حدَثنا المخلص قال‏:‏ حدَثنا أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدَثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَثنا شعيب قال‏:‏ حدَثنا سيف عن معشر عن جابر‏:‏ أن عمر قال قبل موته‏:‏ إن هذا الأمر لا يزال فيكم ما طلبتم به وجه الله والدار الآخرة فإذا طلبتم به الدنيا وتنازعتم سلبكموه الله ونقله عنكم ثم لا يرده عليكم أبدًا هل تعلمون أن أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء الستة نفر الذين مات رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ قالوا‏:‏ لا‏.‏

فلما مات قال عبد الرحمن‏:‏ أيكم يكفينا النظر ويخرج نفسه فلم يجبه أحد‏.‏

فقال‏:‏ أنا أخرج نفسي وابن عمي سعد بن أبي وقاص فأنظر لكم‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

فخرج عبد الرحمن بن عوف فلم يدع أحدًا بالمدينة من المهاجرين السابقين والأنصار إلا استشاره وكلهم قال عثمان‏.‏

فنام فرأى في المنام أن أقرأ قرآنهم فإن استووا فأفقههم فإن استووا فأسنَّهم فانتبه فقال‏:‏ هل تعلمون هذا اجتمع في أحد منكم غير عثمان فبايعوه‏.‏

وحدًثنا سيف عن بدر بن عثمان عن عمه قال‏:‏ لما بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة فأتى منبر النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ إنكم في دار قُلْعة وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فقد أتيتم صُبًحتم أو مسيتم ألا إن الدنيا طويت على الغرور ‏"‏ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ‏"‏ لقمان واعتبروا بمن مضى ثم شدوا ولا تغفلوا فإنه لا يغفل عنكم أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين آثروها ومُتعُوا بها طويلا‏.‏

ألم تلفظهم ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب مثلها فقال‏:‏ ‏"‏ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان اللّه على كل شيء مقتدرا ‏"‏ الكهف 54‏.‏

أخبرنا ابن الحسن أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدَّثنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني سفيان بن وكيع حدَّثنا قبيصة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل قال‏:‏ قلت لعبد الرحمن بن عوف‏:‏ كيف بايعتم عثمان وتركتم عليًا قال‏:‏ ما ذنبي‏.‏

قد بدأت بعدي فقلت‏:‏ أبايعك على كتاب اللّه وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر‏.‏

فقال‏:‏ فيما استطعت ثم عرضتها على عثمان فقبلها‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللّه قال‏:‏ حدَّثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَثنا شعيب قال‏:‏ حدَّثنا سيف عن عمرو عن الشعبي قال‏:‏ اجتمع أهل الشورى على عثمان لثلاث مضين من المحرم وقد دخل وقت العصر وقد أذّن ضهيب واجتمعوا بين الأذان والإقامة فخرج فصلى بالناس فزاد الناس كآبة ووفد أهل الأمصار‏.‏

أخبرنا ابن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن عمر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن إسماعيل عن عثمان بن محمد الأخنسي وأخبرنا أبو بكر بن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد عن أبيه قال‏:‏ بويع عثمان يوم الإثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين فاستقبل بخلافته المحرم من سنة أربع وعشرين‏.‏

من ذلك أنه أقر عمال عمر سنة وولى زيد بن ثابت القضاء ورزقه على ذلك ستين درهمًا وضمه إلى علي بن أبي طالب حين كثر الناس وكان أول كتاب كتبه عثمان إلى عماله‏:‏ ‏"‏ أما بعد‏:‏ فإن اللّه تعالى أمر الأئمة أن يكونوا رعاة ولم يتقدم إليهم أن يكونوا جباة وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة ولم يخلقوا جباة وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يصيروا رعاة ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين ‏"‏‏.‏

قال عمرو بن شعيب‏:‏ أوَل من منع الحمام الطيارة والجلامقات عثمان حين ظهرت بالمدينة فأمر عليها عثمان رجلًا فمنعهم منها‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن القزاز أخبرنا عبد الصمد بن علي بن المأمون أخبرنا ابن حيوية حدَثنا البغوي حدَثنا عمي مسلم حدَّثنا مبارك عن الحسن قال‏:‏ رأيت عثمان نائمًا في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجيء الرجل فيجلس إليه ثم يجيء الرجل فيجلس إليه ثم يجيء الرجل فيجلس إليه كأنه أحدهم‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدَثنا الحارث بن أسامة عن علي بن مسعدة عن عبد اللّه الرومي قال‏:‏ كان عثمان يلي وضوء الليل بنفسه‏.‏

قال‏:‏ فقيل قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا يزيد بن هارون قال‏:‏ أخبرنا هشام عن محمد بن سيرين‏:‏ أن عثمان كان يحيي الليل فيختم القرآن في ركعة‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة‏:‏

 أنه لما قتل عمر أتهم ابنه عبيد الله الهرمزان وجفينة فقتلهما

وكان الهرمزان قد أسلم وجفينة نصراني‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ حدَثنا أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدَثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَثنا شعيب قال‏:‏ حدَّثنا سيف عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب‏:‏ أن عبد الرحمن بن أبي بكر غداة طعن عمر رضي اللّه عنه قال‏:‏ مررت على أبي لؤلؤة عشاء أمس ومعه جفينة والهرمزان وهما نجي فلما رهقتهم ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه فانظروا بأي شيء قُتل فجاء قاتل أبي لؤلؤة بالخنجر الني وصف عبد الرحمن فسمع بذلك عبيد الله فأمسك حتى مات عمر ثم اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله فلما عضَه السيف قال‏:‏ لا إله إلا اللّه ثم مضى حتى أتى جفينة وكان نصرانيًا من أهل الحيرة ظئرًا لسعد بن مالك أقدمه المدينة للمًلح الذي بينه وبينه وليعلم بالمدينة الكتابة فلما علاه بالسيف قبص من عينيه وتلقى ذلك صهيبًا فبعث إليه عمرو بن العاص فلم يزل به حتى ناوله السيف وثاوره سعد فأخذ بشعره وجاءوا إلى صهيب‏.‏

وحدَّثنا سيف عن ابن الشهيد الحجي عن ابن سابط قال‏:‏ لما بويع عثمان قال‏:‏ قولوا فيما أحدث عبيد الله بن عمر‏.‏

فقالوا‏:‏ القود القود‏.‏

ونادى جمهور الناس لعلكم تريدون أن تتبعوا عمر ابنه اللّه الله أبعد اللهّ الهرمزان وجفينة‏.‏

قال سيف‏:‏ وفي رواية أخرى‏:‏ فقال عثمان لابن الهرمزان‏:‏ هذا قاتل أبيك وأنت أولى به منا فاذهب به فاقتله‏.‏

قال‏:‏ فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي إلا أنهم يطلبون إليّ فيه فقلت لهم‏:‏ إليّ قتله‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

فقلت‏:‏ ألكم أن تمنعوه قالوا‏:‏ لا‏.‏

فتركته للّه عز وجل فاحتملوني فواللّه ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الرجال وأكُفهم‏.‏

واختلف فيمن حج بالناس هذه السنة فقال أبو معشر والواقدي‏:‏ حج بهم عبد الرحمن بأمر عثمان وقال آخرون‏:‏ بل حج عثمان رضي اللّه عنه‏.‏

 ذكر من توفي من هذه السنة من الأكابر

بركة أم أيمن

مولاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وحاضنته‏.‏

ورثها من أبيه وكانت سوداء فأعتقها حين تزوج خديجة رضي اللّه عنها فتزوجها عبد الله بن زيد فولدت له‏:‏ أيمن وتزوجت بعده زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنه‏.‏

أنبأنا محمد بن الملك بن خيرون قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري‏:‏ قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا أبو أسامة يعني حماد بن أسامة عن جرير بن حازم قال‏:‏ سمعت عثمان بن القاسم يحدث قال‏:‏ لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء فعطشت فدلي عليها من السماء دلو ماء برشاء أبيض فأخذته فشربته حتى رويت فكانت تقول‏:‏ ما أصابني بعد ذلك عطش ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد تلك الشربة وإني كنت لأصوم في اليوم الحار فما أعطش‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا الفضل بن دكين قال‏:‏ حدثني أبو معشر عن محمد بن قيس قال‏:‏ جاءت أم أيمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ احملني فقال‏:‏ ‏"‏ أحملك على ولد الناقة ‏"‏ فقالت‏:‏ يا رسول اللهّ إنه لا يطيقني ولا أريده‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ لا أحملك إلا على ولد الناقة ‏"‏‏.‏

يعني‏:‏ كان يمازحها وكان يمزح ولا يقول إلا حقًا والإبل كلها ولد النوق‏.‏

قال علماء السير‏:‏ حضرت أم أيمن أحدًا وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى وشهدت خيبر ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بكت وقالت‏:‏ إنما أبكي على خبر السماء كيف انقطع ولما قتل عمر بكت وقالت‏:‏ اليوم وهى الإسلام‏.‏

وتوفيت في أول خلافة عثمان وقيل‏:‏ في خلافة أبي بكر‏.‏

سراقة بن مالك بن جعشم‏.‏

هو الذي لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من الغار فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اللهم أكفناه ‏"‏ فساخت قوائم فرسه فقال‏:‏ اكتب لي كتابًا بالأمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب له كتاب أمن فلما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين الطائف والجعرانة أتاه بالكتاب فقال‏:‏ يا رسول اللّه هذا يوم وفاء‏.‏

فأسلم‏.‏

وتوفي في هذه السنة

عثمان بن قيس بن أبي العاص بن قيس بن عدي بن سهم

ذكر في الصحابة وشهد الفتح بمصر وهو أول من ولي القضاء بمصر وكان صاحب ضيافة فقال يزيد بن أبي حبيب‏:‏ كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص‏:‏ أن أفرض لكل من قبلك ممن بايع تحت الشجرة في مائتين من العطاء وابلغ ذلك بنفسك بإمارتك وافرض لخارجة بن حذافة في الشرف لشجاعته وافرض لعثمان بن قيس في الشرف لضيافته‏.‏

لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن‏.‏

وهي أول امرأة أسلمت بعد خديجة تزوجها العباس فولدت له‏:‏ الفضل وعبد الله وعبيد الله ومعبدًا وقثم وعبد الرحمن وأم حبيب‏.‏

ما ولدت نجيبة من فحل كستّةٍ من بطن أم الفضل أكرم بها من كهلةٍ وكهل‏.‏

وهاجرت إلى المدينة بعد إسلام العباس وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها وكانت تصوم يوم الاثنين والخميس رحمها الله تعالى‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وعشرين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 التغيير على جماعةٍ من الولاة

فإن عمر كان قد أوصى أن يقرّ عماله سنة فلما ولي عثمان أقرهم وأقرّ المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة ثم عزله واستعمل سعد بن أبي وقاص فعمل عليها سعد سنة وبعض أخرى وأقرّ أبا موسى سنوات وضم حمص وقنسرين إلى معاوية‏.‏

وتوفي عبد الرحمن بن علقمة الكناني - وكان على فلسطين - فضم عثمان عمله إلى معاوية‏.‏

ومرض عمير بن سعد فاستعفى فضم عمله إلى معاوية فاجتمع الشام لمعاوية لسنتين من إمارة عثمان ثم بعث عثمان على خراسان عمير بن عثمان بن سعد فصالح من لم يجب الأحنف وأمر الناس بعبور النهر فصالحه من وراء النهر فجرى ذلك واستقرَّ‏.‏

فمن الحوادث في هذه السنة‏:‏

 أن أهل الإسكندرية نقضوا عهدهم

فغزاهم عمرو بن العاص فقتلهم‏.‏

وفيها‏:‏ كتب عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح يستأذن عثمان في الغزو إلى إفريقية فأذن له‏.‏

أنبأنا الحسن بن محمد بن عبد الوهاب البارع قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا أبو طاهر المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال‏:‏ حدَثنا الزبير بن بكار قال حدَثني عمي مصعب بن عبد الله قال‏:‏ غزا عبد اللّه بن الزبير أفريقية مع عبد اللهّ بن سعد بن أبي السرح فحدثني الزبير بن حبيب قال‏:‏ قال عبد للّه بن الزبير‏:‏ هجم علينا جُرْجير في عسكرنا في مائة وعشرين ألفًا فاختلطوا بنا في كل مكان وسقط في أيدي المسلمين ونحن في عشرين ألفًا من المسلمين واختلف الناس على ابن أبي السرح فدخل فسطاطًا له فخلا فيه ورأيت غُرة من جُرْجير بصرت به خلف عساكره على بِرْذَون أشهب معه جاريتان تظلان عليه بريش الطواويس بينه وبين جنده أرض بيضاء ليس فيها أحد فخرجت أطلب ابن أبي سرح فقيل‏:‏ قد خلا في فسطاطه فأتيت حاجبه فأبى أن يأذن لي عليه فدُرْت من كسر الفسطاط فدخلت عليه فوجدته مستلقيًا على ظهره فلما دخلت فرع واستوى جالسًا فقال‏:‏ ما أدخلك عليَّ يا ابن الزبير قلت‏:‏ إني رأيت عورة من العدو فأخرج فاندب لي الناس‏.‏

قال‏:‏ وما هي فأخبرته فخرج معي سريعًا فقال‏:‏ يا أيها الناس انتدبوا مع ابن الزبير فاخترت ثلاثين فارسًا وقلت لسائرهم‏:‏ اثبتوا على مصافكم‏.‏

وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير وقلت لأصحابي‏:‏ احموا لي ظهري فواللّه ما نشبت أن خرقت الصفً إليه فخرجت صامدًا له وما يحسب هؤلاء أصحابه إلا أني رسول إليه حتى دنوت منه فعرف الشر فثنى برذونه موليًا فأدركته فطعنته فسقط وسقطت الجاريتان عليه وأهويت إليه مبادرًا فدققت عليه بالسيف وأصبت يد إحدى الجاريتين فقطعتها ثم احترزت رأسه فنصبته في رمحي وكبَّرت وحمل المسلمون في الوجه الذي كنت فيه وأرفض العدو في كل وجه ومنح اللهّ المسلمين أكتافهم فلما أراد ابن أبي سرح أن يوجّه بشيرًا إلى عثمان قال‏:‏ أنت أولى مَنْ ها هنا بذلك‏.‏

فانطلق إلى أمير المؤمنين فقدمت على عثمان فأخبرته بفتح اللّه ونصره ووصفت له أمرنا كيف كان فلما فرغت من ذلك قال‏:‏ هل تستطيع أن تؤدي هذا إلى الناس قلت‏:‏ وما يمنعني من ذلك قال‏:‏ فاخرج إلى الناس فأخبرهم فخرجت حتى جئت المنبر فاستقبلت الناس فتلقاني وجه أبي الزبير بن العوام فدخلتني منه هيبة فعرفها أبي فيّ فقبض قبضة من حصا وجمع وجهه في وجهي وهمَّ أن يحصبني فاعتزمت فتكلمت فزعموا أن الزبير قال‏:‏ واللّه لكأني سمعت كلام أبي بكر الصديق ‏"‏ من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها فإنما تأتيه بأحدهما ‏"‏‏.‏

وفيها‏:‏ ‏"‏ غزا الوليد بن عتبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه أيام عمر هذا في رواية أبي محنف وقال غيره‏:‏ إنما كان ذلك في سنة ست وعشرين ثم إن الوليد صالح أهل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم وهو الصلح الذي صالحو عليه حذيفة بن اليمان سنة اثنتين وعشرين بعد وقعة نهاوند بسنة ثم حبسوها عند وفاة عمر‏.‏

فلما ولي عثمان وولى الوليد الكوفة سار حتى وطئهم بالجيش ثم بعث سلمان بن ربيعة إلى أرمينية في اثني عشر ألفًا فقتل وسبى وغنم‏.‏

وقيل‏:‏ كان هذا في سنة أربع وعشرين‏.‏

وفيها‏:‏ جاشت الروم وجمعت جموعًا كبيرة فكتب عثمان إلى الوليد‏:‏ إذ معاوية كتب إلي يخبرني أن الروم قد أجلبت على جموع عظيمة وقد رأيت أن تمدهم من أهل الكوفة بثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف‏.‏

فبعث سلمان بن ربيعة في ثمانية آلاف فشنُّوا الغارات على أرض الروم وفتحوا حصونًا كثيرة وملأوا أيديهم من الغنم‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس عثمان‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جندب بن جنادة أبو ذر

وفي اسمه ونسبه خلاف قد ذكرته في كتاب التلقيح‏.‏

كان طويلًا أدم وكان يشهد أن لا إله إلا اللّه وكان يتعبد قبل الإسلام‏.‏

وقيل له‏:‏ أين كنت تتوجه‏.‏

قال‏:‏ أين وجهني اللّه عز وجل ولقي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمكة فأسلم وخرج يصرخ بالشهادة فضربوه فأكبَّ عليه العباس وقال لقريش‏:‏ أنتم تجتازون بهم وطريقكم على غفار‏.‏

فتركوه ورجع إلى قومه‏.‏

وكان يعرض لعيرات قريش فيقتطعها ويقول‏:‏ لا أرد لكم منها شيئًا حتى تشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن محمدًا رسول اللّه‏.‏

فإن فعلوا ردَ ما أخذ منهم وإن أبوا لم يرد عليهم شيئَاَ فبقي على ذلك إلى أن هاجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومضت بدر واحد ثم قدم فأقام بالمدينة ثم مضى إلى الشام فاختلف هو ومعاوية في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يكنزون الذهب والفضة‏}‏ التوبة‏:‏ 34 فقال معاوية‏:‏ نزلت في أهل الكتاب‏.‏

وقال أبو ذر‏:‏ نزلت فينا وفيهم‏.‏

فدار بينهما كلام فكتب معاوية إلى عثمان يشكوه فكتب إليه أن أقدم فقدم المدينة فاجتمع الناس عليه فذكر ذلك لعثمان فقال له‏:‏ إن شئت تنحيت قريبًا فخرج إلى الربذة فمات بها‏.‏

ذكر وفاته‏:‏ أنبأنا محمد بن عبد الباقي قيل‏:‏ أنبأكم أبو إسحاق البرمكي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ أخبرنا إسحاق بن إسرائيل قال‏:‏ أخبرنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه أنه لما حضر أبا ذر الموت بكت امرأته فقال ها‏:‏ ما يبكيك قالت‏:‏ أبكي لأنه لا بد أن لي بنعشك وليس لي ثوب من ثيابي يسعك كفنًا وليس لك ثوب يَسعُك‏.‏

قال‏:‏ لا تبكي فإني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم‏:‏ ‏"‏ ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين ‏"‏ وليس من أولئك النفر رجل إلا قد مات في قرية وجماعة من المسلمين وأنا الذي أموت بفلاة والله ما كذب ولا كذبت فابصري الطريق فقالت‏:‏ أني وقد انقطع الحاج وتقطعت الطرق‏.‏

وكانت تشتد إلى كثيب تقوم عليه تنظر ثم ترجع إليه فتمرضه ثم ترجع إلى الكثيب‏.‏

فبينا هي كذلك إذا هي بنفر تخب بهم رواحلهم كأنهم الرَّخَم فلاحت بثوبها فأقبلوا حتى وقفوا عليها‏.‏

قالوا‏:‏ مالك‏.‏

قالت‏:‏ امرؤ من المسلمين تكفنونه أو قال‏:‏ امرؤ من المسلمين يموت فتكفنونه وهو الأصح - قالوا‏:‏ ومَنْ هوَ قالت‏:‏ أبو ذر‏.‏

ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه حتى جاءوا فقال‏:‏ أبشروا فحدَّثهم الحديث الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ إني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيحتسبان ويصبران فيريان النار أتسمعون لو كان لي ثوب يَسَعُني كفنًا لم أكفن به إلا في ثوب هو لي أو لامرأتي ثوب يسعني كفنًا إلا في ثوبها فأنشدكم الله والإسلام أن يكفنني رجل منكم كان أميرًا أو عريفًا أو نقيبًا أو بريدأ فكل القوم قد كان قارف بعض ذلك إلا فتىً من الأنصار قال‏:‏ أنا أكفنك فإني لم أصب مما ذكرت شيئًا أكفنك في ردائي هذا الذي عليً وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي‏.‏

قال‏:‏ أنت فكفّني‏.‏

قال‏:‏ فكفَنه الأنصاري والنفر الذين شهدوه فيهم جحش بن الأدبر ومالك بن الأشتر في نفر كلهم يمان‏.‏

وذكر ابن إسحاق أن ابن مسعود صلى عليه منصرفه من الكوفة‏.‏

عبد اللّه بن قيس

بن زيادة بن الأصم، وأمه عاتكة وهي‏:‏ أم مكتوم بنت عبد اللّه بن عتيكة بن عامر‏.‏

أسلم ابن أم مكتوم بمكة قديمًا وكان ضرير البصر ذهبت عيناه وهو غلام وقدم المدينة مهاجرًا‏.‏

قال البراء‏:‏ أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب ثم ابن أم مكتوم فكان يؤذَن للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مع بلال وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة‏.‏

أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا أبو معاوية قال‏:‏ حدًثنا هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا مع رجال من قريش فيهم عتبة بن ربيعة وناس من وجوه قريش وهو يقول لهم‏:‏ أليس حسنًا إن جئت بكذا فيقولون‏:‏ بلى‏.‏

فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله عن شيء فأعرض فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏عبس وتولى أن جاءه الأعمى‏}‏ يعني‏:‏ ابن أم مكتوم ‏{‏أما من استغنى‏}‏ يعني‏:‏ عتبة وأصحابه ‏{‏فأنت له تصدى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى‏}‏ يعني ابن أم مكتوم‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا عفان بن مسلم قال‏:‏ حدَثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ أخبرنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‏:‏ نزلت‏:‏ ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه‏}‏ فقال عبد اللّه بن أم مكتوم‏:‏ أي رب أنزل عذري أين عذري فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏غير أولي الضرر‏}‏ فجعلت بينهما وكان بعد ذلك يغزو فيقول‏:‏ ادفعوا إلي اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفر وأقيموني بين الصفين‏.‏

قال عفان‏:‏ وحدَثنا يزيد بن زريع قال‏:‏ حدَّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك‏:‏ أن عبد اللّه بن أم مكتوم يوم القادسية كانت معه راية له سوداء وعليه درع‏.‏

عمرو بن عتبة بن فرقد بن حبيب السلمي‏.‏

كان أبوه عتبة من الصحابة كان يتولى الولايات ويجتهد بابنه عمرو أن يعينه على ذلك فلا يفعل زهدًا في الدنيا‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار وعبد القادر بن محمد قالا‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن نحيب قال‏:‏ حدَّثنا أبو جعفر بن ذريح قال‏:‏ حدَّثنا هناد قال‏:‏ حدَثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد اللّه بن الربيعة قال‏:‏ كنت جالسًا مع عتبة بن فرقد ومعضد العجلي وعمرو بن عتبة قال‏:‏ يا عبد اللهّ بن الربيعة ألا تعينني على ابن اختك يعينني على ما أنا فيه من عملي فقال عبد الله‏:‏ يا عمرو أطع أباك‏.‏

قال‏:‏ فنظر عمرو إلى معضد فقال له‏:‏ ‏{‏لا تطعه واسجد واقترب‏}‏ فقال عمرو‏:‏ يا أبي إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي‏.‏

فبكى عتبة ثم قال‏:‏ يا بني أحبك حبين‏:‏ حب للّه وحب الوالد لولده‏.‏

فقال عمرو‏:‏ يا أبت إنك قد كنتَ أثبتني بمال بلغ سبعين ألفًا فإن كنت سائلي عنه فهو هذا فخذه وإلا فدعني أمضه‏.‏

قال‏:‏ يا بني أمضه‏.‏

فأمضاه حتى ما بقي عنده درهم‏.‏

أخبرنا علي بن محمد بن حسنون قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد بن عثمان قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم بن المنذر قال‏:‏ حدَّثنا الحسن بن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عبيد اللهّ قال‏:‏ حدَّثنا أبي عن شيخ من قريش قال‏:‏ قال مولى لعمرو بن عتبة وأنا مع رجل وهو يقع في آخر فقال لي‏:‏ ويلك - ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها - نزِّه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن القول فإن المستمع شريك القائل وإنما نظر إلى ما سُدً في وعائه فأفرغه في وعائك ولو ردَت كلمة سفيه أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ حدَثنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال‏:‏ حدثنا عنبسة بن سعيد القرشي قال‏:‏ حدَّثني ابن المبارك عن عيسى بن عمر قال‏:‏ كان عمرو بن عتبة يخرج على فرسه ليلًا فيقف على القبور فيقول‏:‏ يا أهل القبور قد طويت الصحف ورفعت الأعمال‏.‏

ثم يبكي ثم يصف قدميه حتى يصبح فيرجع فيشهد صلاة الصبح‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصبهاني قال‏:‏ حدَّثنا أبو محمد بن حيان قال‏:‏ حدَثنا أحمد بن الحسين الحذاء قال‏:‏ حدَّثنا أحمد الدروقي قال‏:‏ حدَّثنا علي بن إسحاق قال‏:‏ أخبرنا ابن المبارك قال‏:‏ حدَّثنا الحسن بن عمر الفرواي قال‏:‏ حدَّثني مولى لعمرو بن عتبة قال‏:‏ استيقظنا يومًا حارًا في ساعةٍ حارةٍ فطلبنا عمرو بن عتبة فوجدناه في جبل وهو ساجد وغمامة تظله وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس لكثرة صلاته فرأيته ليلةً يصلي فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يُصلي لم ينصرف فقلنا له‏:‏ أما خفت الأسد فقال‏:‏ إني لأستحي من اللّه أن أخاف شيئًا سواه‏.‏

أخبرنا أحمد بن أبي القاسم بإسناده عن أحمد قال‏:‏ حدَثنا أبو معاوية قال‏:‏ حدَّثنا الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ خرجنا في جيش فيهم علقمة ويزيد بن معاوية النخعي وعمرو بن عتبة ومعضد قال‏:‏ فخرج عمرو بن عتبة عليه جبة جديدة بيضاء فقال‏:‏ ما أحسن الدم ينحدر على هذه‏.‏

فخرج فتعرض للقوم فأصابه حجر فشجه فتحدر عليها الدم ثم مات منها فدفناه ولما أصابه الحجر فَشجهُ جعل يلمسها بيده ويقول‏:‏ إنها لصغيرة وإن الله ليبارك في الصغير‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدَّثنا أبو بكر بن مالك حدَّثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال‏:‏ حدَّثنا علي بن إسحاق قال‏:‏ حدَّثنا ابن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عيسى بن عمر عن السدي قال‏:‏ حدثنا ابن عم لعمرو بن عتبة قال‏:‏ نزلنا في مرج حسن فقال عمرو بن عتبة‏:‏ ما أحسن هذا المرج ما أحسن الآن لو أن مناديًا ينادي‏:‏ يا خيل الله اركبي‏.‏

فخرج رجل فكان أوَل من لقي فأصيب ثم جيء به فدفن في هذا المرج‏.‏

قال‏:‏ فما كان بأسرع من أن نادى مناد‏:‏ يا خيل الله اركبي‏.‏

فخرج عمرو في سرعان الناس في أول من خرج فأتى عتبة فأخبر بذلك فقال‏:‏ عليَّ عمرًا‏.‏

فأرسل في طلبه فما أدرك حتى أصيب‏.‏

قال‏:‏ فما أراه دفن إلا في مركز رمحه وعتبة يومئذ على الناس‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وهذه الغزاة التي استشهد فيها عمرو ولم تذكر هي غزاة أذربيجان وكانت في خلافة عثمان رضي الله عنه‏.‏

كان قد شهد بدرًا مع المشركين وبعثوه طليعة ليحرز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل وكان حريصًا على ردَ قريش عن لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدرٍ فلما التقوا أسر أبوه وهب أسره رفاعة بن رافع فرجع إلى مكة فقال له صفوان بن أمية‏:‏ دينك عليّ وعيالك أمونهم ما عشت واجعل كذا وكذا إن أنت خرجت إلى محمد حتى تغتاله‏.‏

فخرج حتى أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما جاء به وما جرى له مع صفوان أبن أمية فأسلم وشهد أحدًا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبقي إلى خلافة عثمان رضي اللّه عنه‏.‏

عروة بن حزام بن مهاجر

شاعر إسلامي أحد المتيمين الذين قتلهم الهوى‏.‏

أخبرتنا شهدة بنتَ أحمد الكاتبة قالت‏:‏ أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن السراج قال‏:‏ نقلت من خط أبي عمرو بن حيوية حدَّثنا أبو بكر بن المرزبان قال‏:‏ حدَّثني أبو العباس فضل بن محمد بن النويري حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال‏:‏ أخبرنا لقيط بن بكير المحاربي‏:‏ أن عروة بن حزام وعفراء ابنة مالك العذريين - وهما بطن من عذرة يقال لهم بنو هند بن حزام بن ضبة بن عبد بن بكير بن عذرة - ويقال إنهما نشآ جميعًا فعلقا علاقة الصبا وكان عروة يتيمًا في حجر عمه حتى بلغ وكان يسأل عمّه أن يزوجه عفراء فيُسَوِّفُهُ إلى أن خرجت عير لأهله إلى الشام وخرج عروة إليها ووفد على عمه ابن عمّ له من البلقاء يريد الحج فخطبها فزوَّجه إياها فحملها وأقبل عروة في عيره تلك حتى إذا كان بتبوك نظر إلى رفقة مقبلة من نحو المدينة فيها امرأة على جمل أحمر فقال لأصحابه‏:‏ واللّه لكأنها شمائل عفراء‏:‏ فقالوا‏:‏ ويحك ما تترك ذكر عفراء لشيء‏.‏

قال‏:‏ وجاء القوم فلما دنوا منه وتبيَّن الأمر يبس قائمًا لا يتحرك ولا يحير جوابآَ حتى بعُد القوم فذلك حين يقول‏:‏

وإني لتعروني لذكراك رعدة ** لها بين جلدي والعظام دبيب

فما هو إلا أن أراها فُجـاءَةً ** فأبهت حتى ما أكاد أجيـب

وقلت لعراف اليمامـة داوني ** فإنك إن داويتني لطبيـب

فما بي من حُمَى وما بي جنة ** ولكن عمي الحميري كذوب

ثم إن عروة انصرف إلى أهله وأخذه البكاء والهلاس حتى نحل فلم يبق منه شيء فقال بعض الناس‏:‏ هو مسحور وقال قوم‏:‏ به جنة وقال آخرون‏:‏ بل هو موسوس وان بالحاضر من اليمامة لطبيبًا له تابع من الجن وهو أطب الناس فلو أتيتموه فلعل اللّه يشفيه‏.‏

فساروا إليه من أرض بني عذرة حتى داواه فجعل يسقيه وينشر عنه وهو يزداد سقمًا فقال له عروة‏:‏ هل عندك للحب دواء أورقية فقال‏:‏ لا واللّه‏.‏

فانصرفوا حتى مروا بطبيب بحجر فعالجه وصنع به مثل ذلك فقال له عروة‏:‏ واللّه ما دائي ولا دوائي إلا شخص بالبلقاء مقيم فهو دائي وعنده دوائي‏.‏

فانصرفوا به فأنشأ عند ذلك وجعل يقول عند انصرافهم به‏:‏

جعلت لعراف اليمامة حكمه ** وعراف نجد إن هما شفياني

فقالا نعم يشفى من الداء كله ** وقاما مع العواد يبتدران

فما تركا من رقية يعلمانها ** ولا سلوة إلا وقد سقياني

فقال شفاك اللّه واللّه ما لنا ** بما ضمنت منك الضلوع يدان

فلما قدم على أهله وكان له أخوات أربع ووالدة وخالة فمرضنه دهرًا فقال لهن يومًا‏:‏ ‏(‏اعلمن أني لو نظرت إلى عفراء نظرة ذهب وجعي‏)‏ فذهبوا به حتى نزلوا البلقاء مستخفين وكان لا يزال يلم بعفراء وينظر إليها وكانت عند رجل كريم كثير المال والحاشية فبينا عروة بسوق البلقاء لقيه رجل من بني عذرة فسأله عن حاله ومقدمه فأخبره فقال‏:‏ واللّه لقد سمعت أنك مريض وأراك قد صححت فلما أمسى دخل الرجل على زوج عفراء فقال‏:‏ متى قدم هذا الكلب عليكم الذي فضحكم قال زوج عفراء‏:‏ أي كلب هو‏.‏

قال‏:‏ عروة قال‏:‏ وقد قدم قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أنت أولى بها من أن تكون كلبًا ما علمت بقدومه ولو علمت لضممته إليَّ‏.‏

فلما أصبح غدا يستدل عليه حتى جاءه فقال‏:‏ قدمت هذا البلد ولم تنزل بنا ولم ترَ أن تعلمنا بمكانك فيكون منزلك عندنا عليَ وعليَّ إن كان لك منزل إلا عندي قال‏:‏ نعم نتحول إليك الليلة أو في غد‏.‏

فلما ولى قال عروة لأهله‏:‏ قد كان ما ترون وإن أنتم لم تخرجوا معي لأركبن رأسي ولألحقن بقومكم فليس عليَّ بأس‏.‏

فارتحلوا وركبوا طريقهم ونكس عروة ولم يزل مدنفًا حتى نزلوا وادي القرى‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ أن حزامًا هلك وترك ابنه عروة صغيرأ في حجر عمه عقال بن مهاصر وكانت عفراء تربًا لعروة يلعبان جميعًا ويكونان معًا حتى ألف كل واحد منهما الفًا شديدًا وكان عقال يقول لعروة لما يرى من الفهما‏:‏ أبشر فإن عفراء امرأتك إن شاء الله وكانا كذلك حتى بلغا فأتى عروة عمة له يقال لها هند بنت مهاصر فشكى إليها ما به من حب عفراء وقال لها‏:‏ يا عمة إني لأكلمك وأنا مستحي منك ولم أفعل هذا حتى ضقت ذرعًا بما أنا فيه فذهبت عمته إلى أخيها فقالت‏:‏ يا أخي قد أتيتك في حاجة أحب أن تحسن قضاءها فإن الله يؤجرك بصلة رحمك قال‏:‏ إن تسأليني لا أردك فيها قالتَ‏:‏ تزوج عروة ابن أخيك بابنتك عفراء فقال‏:‏ ما عنه مذهب ولا بنا عنه رغبة ولكنه ليس بذي مال وليست عليه عجلة فسكت عروة بعض السكوت وكانت أمها لا تريد إلا ذا مال فعرف عروة ان رجلًا ذا مال قد خطبها فأتَى عمه فقال‏:‏ يا عم قد عرفت حقي وقرابتي وإني ربيت في حجرك وقد بلغني وحقي فرق له وقال‏:‏ يا بني أنت معدم وأمها قد أبت أن تخرجها إلا بمهر غال فاضطرب واسترزق الله‏.‏

فجاء إلى أمها ولاطفها وداراها فأبت إلا بما تحتكم من المهر فعمل على قصد ابن عم له موسر باليمن فجاء إلى عمه وامرأته فأخبرهما بقصده وعزمه فصوباه ووعداه ألا يحدثا حدثًا حتى يعود‏.‏

وودع عفراء والحي وصحبه فتيان كانا يألفانه وكان طول سفره ساهيًا حتى قدم على ابن عمه فعرفه حاله فوصله وكساه وأعطاه مائة من الإبل فانصرف بها وقد كان رجل من أهل الشام قد نزل في حيّ عفراء فنحر وأطعم ورأى عفراء فأعجبته فخطبها إلى أبيها فاعتذر إليه وقال‏:‏ قد سميتها باسم ابن أخي فما لغيره إليها سبيل فقال له‏:‏ إني أرغبك في المهر فقال‏:‏ لا حاجة لي في ذلك فعدل إلى أمها فوافق عندها قبولًا ورغبة في المال فجاءت إلى زوجها فقالت‏:‏ وأي خير في عروة حتى تحبس ابنتي عليه والله ما تدريَ أعروة حيّ أم ميت وهل ينقلب إليك بخير أم لا فتكون قد حرمت ابنتك خيرًا حاضرًا فلم تزل به حتى قال‏:‏ إن عاودني خاطبها أجبته فوجهت إليه‏:‏ أعد غدًا خاطبًا فنحر جزورًا وأطعم ووهب وجمع الحي على طعامه وفيهم أبو عفراء وأعاد الخطبة فزوجه وحولت عفراء إليه فقال قبل أن يدخل بها‏:‏ يا عروة إن الحيّ قد نقضوا عهد الله وحاولوا الغدران‏.‏

ثم دخل بها زوجها وأقام فيهم ثلاثًا ثم ارتحل إلى الشام وعمد أبوها إلى قبر عتيق فجدده وسواه وسأل أهل الحي كتمان أمرها وقدم عروهَ بعد أيام فنعاها أبوها إليه وذهب به إلى ذلك القبر وكان يختلف إليها أيامًا حتى أخبرته جارية من الحي الخبر فركب بعض إبله فدخل الشام فنزل على الرجل وهو لا يعرفه فأكرمه فقال لجارية لهم‏:‏ هل لك في يد تولينيها قالت‏:‏ نعم قال‏:‏ تدفعين خاتمي هذا إلى مولاتك فقالت‏:‏ سوء لك أما تستحي من هذا القول فأمسك ثم أعاد عليها وقال‏:‏ ويحك هي واللّه بنت عمي فاطرحي هذا الخاتم في صبوحها فإن أنكرت عليك فقولي‏:‏ اصطبح ضيفنا قبلك ولعله سقط منه فرقت الأمة وفعلت فلما رأت عفراء الخاتم قالت‏:‏ أصدقيني فأصدقتها فلما جاء زوجها قالت‏:‏ أتدري من ضيفك إنه عروة بن حزام وقد كتم نفسه حياء منك فبعث إليه وعاتبه على كتمانه نفسه وقال له‏:‏ بالرحب والسعة نشدتك الله إن رمت هذا المكان أبدًا وخرج وتركه مع عفراء يتحدثان وأوصى خادمًا له بالاستماع عليهما وإعادة ما يسمعه منهما‏.‏

فلما خليا تشاكيا ما وجدا من الفراق وطالت الشكوى وهو يبكي أحرّ بكاء ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه فقال‏:‏ والله ما دخل جوفي حرام قط ولا ارتكبته منذ كنت ولو استحللت حرامًا كنت قد استحللته منك وأنت حظي من الدنيا وقد ذهبت مني وذهبت منك فما أعيش بعدك وقد أجمل هذا الرجل الكرم وأحسن وأنا أستحي منه ووالله لا أقيم بعد علمه بمكاني وإني لعالم أني أرحل إلى فلماء جاء زوجها أخبره الخادم بما جرى بينهما فقال‏:‏ يا عفراء امنعي ابن عمك من الخروج فقالت‏:‏ لا يمتنع وهو واللهّ أكرم وأشد حياء أن يقيم بعد ما جرى بينكما فدعاه وقال‏:‏ يا أخي‏:‏ اتق اللهّ في نفسك فقد عرفت خبرك وأنك إن رحلت تلفت وواللهّ ما أمنعك من الاجتماع معها أبدًا وإن شئت لأنزلن لك عنها‏.‏

فجزاه خيرًا وأثنى عليه وقال‏:‏ إنها كان الطمع فيها والآن فقد يئست وحملت نفسي على الصبر ولي أمور لا بد من الرجوع إليها وإن وجدتَ بي قوة وإلا عدت إليكم وزرتكم‏.‏

فزودوه وشبعوه وانصرف فأصابه غشي وخفقان فكان كلما أغمي عليه ألقى على وجهه خمارًا كانت عفراء قد زودته إياه فيفيق فلقيه في طريقه عراف اليمامة ابن مكحول فسأله عما به وهل به خبل فقال‏:‏

وما بيَ من خبل وما بيَ جنة ** ولكن عمي يا أخيً كذوب

أقول لعراف اليمامة داوني ** فإنك إن داويتني لطبيب

فواكبدي أمست رفاتًا كأنما ** يلذعها بالموقدان لهيب

عشية لا عفراء منك بعيدة ** فتسلو ولا عفراء منك قريب

فواللهّ ما أنساك ما هبت الصبا ** وما عقبتها في الرياح جنوب

وإني ليغشاني لذكراك روعة ** لها بين جلدي والعظام دبيب

خليلي من عليا هلال بن عامر ** بصنعاء عوجا اليوم فانتظراني

فلا تزهدا في الذخر عندي وأجملا ** فإنكما بي اليوم مبتليان

ألِما على عفراء إنكما غدًا ** بوشك النوى والبين مفترقان

فيا واشيي عفراء ويحكما بمن ** ومن وإلى من حيثما تشياني

بمن لو رآه غائبًا لفديته ** ومن لو رآني غائبًا لفداني

متى تكشفا عني القميص تبيّنا ** بي الضرّ من عفراء يا فتيان

فقد تركتني لا أعي لمحدثٍ ** حديثًا وإن ناجيته ونجاني

جعلت لعراف اليمامة حكمه ** وعراف حجران هما شفياني

فما تركا من حيلة يعلمانها ** ولا شربة إلا بها سقياني

ورشا على وجهي من الماء ساعة ** وقاما مع العواد يبتدران

وقالا شفاك الله واللهّ ما لنا ** بما ضمنت منك الضلوع يدان

فويلي على عفراء ويل كأنه ** على الصدر والأحشاء وخز سنان

فيا رب أنت المستعان على الذي ** تحملت من عفراء منذ زماني

كأن قطاة علقت بجناحها على ** كبدي من شدة الخفقان

وفي رواية أنه لم يعلمه بتزويجها حتى لقي الرفقة التي هي فيها وأنه كان توجه إلى ابن عم له بالشام لا باليمن فلما رآها وقف دهشآَ ثم قال‏:‏ فما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت حتى لا أكاد أجيب وأصدف عن رأي الذي كنت أرتئي وأنسى الذي أزمعت حين تغيب ويظهر قلبي عذرها ويعينها علي فمالي في الفؤاد نصيب وقد علمت نفسي مكان شفائها وهل ما لا ينال قريب حلفت برب الساجدين لربهم خشوعًا وفوق الساجدين رقيب لئن كان برد الماء حران صاديًا إلي حبيبًا إنها لحبيب ثم عاد إلى أهله وقد نحل وضنى وكان له أخوان وخالة وجدة فجعلن يعالجن أمره فلا ينفع وكان يأتي حياض الماء التي كانت عفراء تردها فيلصق صدره بها ويقول‏:‏ بي البأس أو داء الهيام سقيته فإياك عني لا يكن بك ما بِيَا أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد اللّه الأنماطي أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم المروزي قال‏:‏ حدَثني جدي محمد بن عبد الكريم حدًثنا الهيثم بن عدي أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير قال‏:‏ استعملني عمر بن الخطاب - أو عثمان بن عفان شك الهيثم - على صدقات سعد بن هذيم وهم عذرة وسلامان والحارث وهم من قضاعة فلما قبضتَ الصدقة وقسمتها بين أهلها وأقبلت بالسهمين الباقيين إلى عمر - أو إلى عثمان - فلما كنت في بلاد عدي في حيّ يقال لهم بنو هند إذا أنا ببيت جرير فملت إليه فإذا عجوز جالسة عند كسر البيت وإذا شاب نائم في ظل البيت فلما دنوت سلمت فترنم بصوت له ضعيف‏:‏ جعلت لعراف اليمامة حكمة وعراف حجران هما شفياني فذكر الأبيات فشهق شهقة خفيفة فنظرته فإذا هو قد مات فقلت‏:‏ أيها العجوز ما أظن هذا النائم بفناء بيتك إلا قد مات قالت‏:‏ واللّه إني لأظن ذلك فقامت فنظرت إليه فقالت‏:‏ فاض ورب محمد فقلت‏:‏ يا أمة الله من هذا قالت‏:‏ عروة بن حزام وأنا أمه قلت‏:‏ فما صيره إلى هذا قالت‏:‏ العشق ولا والله ما سمعت له أنه منذ سنة إلا في صدره وفي يومنا من كان من أمهاتي باكيًا أبدًا فاليوم إني أراني اليوم مقبوضآ # تستمعيه فإني غير سامعة إذا علوت رقاب القوم معروضأ قال النعمان‏:‏ فأقمت والله عليه حتى غسل وكفن وحنط وصلي عليه ودفن‏.‏

قال‏:‏ قلت للنعمان‏:‏ فما دعاك إلى ذلك قال‏:‏ احتساب الأجر فيه واللّه‏.‏

وقد ذكر أبو داود في كتاب الزهرة‏:‏ ان عروة بن حزام لما مات مر به ركب فعرفوه فلما انتهوا إلى منزل عفراء صاح بعضهم فقال‏:‏

ألا أيها القصر المعقل أهلها ** بحقٍ نعينا عروة بن حزام

فأجابته فقالت‏:‏

ألا أيها الركب المخبون ويحكم ** بحقٍ نعيتم عروة بن حزام

فأجابوها‏:‏

نعم قد تركناه بأرض بعيدة ** مقيمًا بها في دكدك وأكام

فقالت لهم‏:‏

فإن كان حقًا ما تقولون فاعلموا ** بأن قد نعيتم بدر كل ظلام

فلا لقي الفتيان بعدك لذة ** ولا رجعوا من غيبة بسلام

ولا لا بلغتم حيث وجهتمُ له ** ونغصتمُ لذات كل طعام

ثم سألتهم‏:‏ أين دفنوه فأخبروها فسارت إلى قبره فلما قربوا من موضع قبره قالت‏:‏ إني أريد قضاء حاجة فأنزلوها فانسلت إلى قبره فانكبت عليه فما راعهم إلا صوتها فلما سمعوها بادروا إليها فإذا هي ممدودة على القبر قد خرجت نفسها فدفنوها إلى جانبه‏.‏

أنبأنا محمد بن عبد الملك بن خيرون قال‏:‏ أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت حدَّثنا علي بن أيوب القمي حدًثنا محمد بن عمران حدَّثنا عبد اللّه بن محمد بن أبي سعيد قال‏:‏ حدَثني إسحاق بن محمد النخعي حدَّثنا معاذ بن يحيى الصنعاني قال‏:‏ خرجت من مكة إلى صنعاء فلما كان بيننا وبين صنعاء خمس رأيت الناس ينزلون عن محاملهم ويركبون دوابهم قلت‏:‏ أين تريدون قالوا‏:‏ نريد أن ننظر قبر عروة وعفراء فنزلت عن محملي وركبت حماري واتصلت بهم فانتهيت إلى قبرين متلاصقين قد خرج من هذا القبر ساق شجرة ومن هذا ساق شجرة حتى إذا صارا على قامة التفا وكان الناس يقولون‏:‏ تآلفا في الحياة وفي الموت‏.‏

وقد روي لنا أن هذه القصة كانت في عهد عمر بن الخطاب فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ لو أدركت عروة وعفراء لجمعت بينهما‏.‏

وروينا عن معاوية أنه قال‏:‏ ‏"‏ لوعلمت بهذين الشريفين لجمعت بينهما ‏"‏‏.‏

 

سنة ست وعشرين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 

أن عثمان أمر بتجديد أنصاب الحرم

وزاد في المسجد الحرام ووسعه وابتاع من قوم وأبى آخرون فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال فصاحوا على عثمان فأمر بهم إلى الحبس وقال‏:‏ أتدرون ما جرَّأكم عليَّ‏.‏

ما جرأكم عليَّ إلا حلمي قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به‏.‏

ثم كلَّمه فيهم عبد اللهّ بن خالد بن أسيد فأخرجوا‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 

جرت خصومة بين سعد وابن مسعود

فعزل عثمان سعدًا، وقيل‏:‏ كان ذلك في سنة خمس وعشرين، وقيل‏:‏ في سنة ثلاث وعشرين‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللّه قال‏:‏ حدَّثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَّثنا شعيب قال‏:‏ حدَّثنا سيف بن عمر عن الشعبي قال‏:‏ كان أول ما نزع الشيطان من أهل الكوفة وهو أول مصر أن سعد بن أبي وقاص استقرض من عبد الله بن مسعود من بيت المال مالًا فأقرضه فلما تقاضاه لم يتيسر وحدَّثنا سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ كنت جالسًا عند سعد فأتى ابن مسعود فقال لسعد‏:‏ أدّ المال الذي قِبلك‏.‏

فقال له سعد‏:‏ هل أنت إلا عبد من هذيل‏.‏

قال‏:‏ وأنت ابن حمينة‏.‏

فطرح سعد عودًا في يده وكانت فيه حدة ورفع يديه وقال‏:‏ اللهم رب السموات والأرض‏.‏

فقال عبد اللّه‏:‏ قل خيرًا ولا تلعن‏.‏

فقال سعد‏:‏ أما والله لولا اتقاء اللّه عليك لدعوت عليك دعوة لا تخطئك‏.‏

فولى الآخر سريعآ فخرج‏.‏

وحدِّثنا سيف عن القاسم بن الوليد عن المسيب بن عبد خير بن عبد اللّه بن حكيم قال‏:‏ لما وقع بين ابن مسعود وسعد الكلام غضب عليهما عثمان وانتزعها من سعد وعزله وأقرّ عبد اللهّ واستعمل الوليد بن عقبة فقدم الكوفة فلم يتخذ لداره بابآ حتى خرج من الكوفة‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ حج بالناس عثمان رضي اللهّ عنه‏.‏

 

ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

حبيب بن يساف بن عتبة تأخّر إسلامه حتى خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلحقه فأسلم وشهد أحدًا والخندق‏.‏

وتوفي في خلافة عثمان رضي اللّه عنه‏.‏

 

ثم دخلت سنة سبع وعشرين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 

فتح الأندلس

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللّه قال‏:‏ حدَّثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَّثنا شعيب قال‏:‏ حدَّثنا سيف عن محمد وطلحة قالا‏:‏ أرسل عثمان عبد اللّه بن الحصين وعبد اللّه بن عبد القيس إلى الأندلس فأتياها من قبل البحر وكتب إليهم‏:‏ ‏"‏ أما بعد‏:‏ فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس وإنكم إن فتحتموها كنتم شركاء من يفتحها في الأجر والسلام ‏"‏‏.‏

فخرجوا ومعهم البريد فأتوها من برها وبحرها ففتحها اللّه على المسلمين‏.‏

قال يزيد بن أبي حبيب‏:‏ نزع عثمان عمرو بن العاص عن خراج مصر واستعمل عبد الله بن سعد فكتب عبد اللّه بن سعد إلى عثمان‏:‏ إن عمرًا كسر الخراج وكتب عمرو إن عبد الله كسر على مكيدة الحرب فكتب عثمان إلى عمرو‏:‏ انصرف وولى عبد الله بن سعد الخراج والجند فقدم عمرو مغضبًا فدخل على عثمان وعليه جَبّة له يمانية محشوة قطنًا‏.‏

فقال له عثمان‏:‏ ما حشو جبتك هذه‏.‏

قال‏:‏ عمرو‏:‏ فقال عثمان‏:‏ لم أرد هذا إنما سألت أقطنًا هو أم قال الواقدي‏:‏ وفي هذه السنة كان فتح اصطخر الثاني على يد عثمان بن أبي العاص‏.‏

وفيها‏:‏ غزا معاوية قنسرين‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس عثمان بن عفان‏.‏

 

ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

عبد اللّه بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول أبو الحارث‏.‏

شهد بدرًا وكان عامل رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم على المغانم وشهد المشاهد كلها النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثمان وعشرين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 

فتح قبرس على يد معاوية

غزاها بأمر عثمان هذا قول الواقدي‏.‏

وقال أبو معشر‏:‏ كان ذلك في سنة تسع وعشرين كان عمر بن الخطاب يمنع من الغزو في البحر شفقة بالمسلمين واستأذنه معاوية فلم يأذن له فلما ولي عثمان استأذنه فأذن له وقال‏:‏ من اختار الغزو معك طائعًا فاحمله‏.‏

فغزا قبرس فصالح أهلها وهو أول من غزا الروم‏.‏

أخبرنا أحمد بن علي المجلي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر عبد اللّه بن محمد القريشي قال‏:‏ حدَّثنا مجاهد بن موسى قال‏:‏ حدَّثنا الوليد بن موسى قال‏:‏ حدَّثنا ثور عن خالد بن معدان عن جبير بن نصر قال‏:‏ لما افتتح المسلمون قبرس فرق بين أهلها فجعل بعضهم يبكي إلى بعض فبكى أبو الدرداء فقال له‏:‏ ما يبكيك في يوم أعز اللّه فيه الإسلام وأهله وأذل الشرك وأهله قال‏:‏ دعنا منك يا جبير ما أهون الخلق على اللّه إذا تركوا أمره بينا هي أمة قاهرة قادرة تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ تركوا أمر الله فسلط الله عليهم السباء وإذا سلط السباءُ على القوم فليس له فيهم حاجة‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 

غزا حبيب بن سلمة سورية من أرض الروم

وفيها‏:‏

 

تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة

ابن الأحوص العربية‏.‏وكانت نصرانية فتجنثت قبل أن يدخل بها وكانت محلتها سماوة كلب‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ كل اسم في المغرب فرافصة بضم الفاء إلا نائلة بنت الفرافصة فإنها بفتح الفاء‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن البسري عن أبي عبد اللّه بن بطة قال‏:‏ حدَثنا ابن دريد قال‏:‏ أخبرنا أبو حاتم قال‏:‏ حدَّثنا أبو عبيدة قال‏:‏ لمَّا تزوّج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة اهتداها فبعث بها أبوها إليه مع أخيها ضب فلما فصلت من السماوة إلى المدينة خرجت من فراق أهلها وبلادها فقالت‏:‏ أحقًا تراه اليوم يا ضب انني مصاحبة نحو المدينة أركبا أما كان في فتيان حصن بن ضمضم لك الويل ما يغني الخباء المحجبا قضى اللّه حقًا أن تموتي غريبة بيثرب لا تلقين أمًا ولا أبا قال ابن بطة‏:‏ وحدَثني أبو صالح حدَثنا أبو الأحوص حدَّثنا نعيم بن حماد وحدَثنا ابن المبارك أخبرنا إسحاق بن طلحة عن مولى لطلحة‏:‏ أن عثمان رضي اللّه عنه استعمل الوليد بن عقبة على صدقات كليب فزوجه نائلة بنت الفرافصة الكلبي فلما قدم قال‏:‏ إني زوجتك نائلة بنت الفرافصة‏.‏

فقال‏:‏ زوجتني نصرانية قال‏:‏ إنها إذا قدمت إليك أسلمت‏.‏

فلما قدمت دخل عليها عثمان بن عفان فصلى ركعتين ثم قال‏:‏ يا هذه تأتينا أو نأتيك قالت‏:‏ بك نأتيك ونعمة العين فقد تجشمت المسير إليك من أبعد ما بيني وبينك من البيت فقامت حتى جلست إلى عثمان بن عفان فقال لها عثمان‏:‏ إنك لعلك ترين شيبًا وتقلبًا في السن فإن وراء ذلك غلالة من شباب‏.‏

فقالت‏:‏ إن أحب الخلطاء إليَّ لمن ذهبت عنه ميْعة الشباب واجتمع حلمه ووثق برأيه‏.‏

فلما خرج قال له الناس‏:‏ يا أمير المؤمنين كيف رأيتَ أهلك‏.‏

قال‏:‏ رأيت أوفى عقلًا من الداخلة عليَّ‏.‏

وفي رواية‏:‏ أن سعيد بن العاص كان على الكوفة فتزوج هند بنت الفرافصة فبلغ ذلك عثمان فكتب إليه‏:‏ بلغني أنك تزوجت امرأة فاكتب إليً بنسبها وجمالها‏.‏

فكتب إليه إن كانت لها أخت فزوجنيها فبعث سعيد إلى الفرافصة يخطب إحدى بناته على عثمان فأمر الفرافصة ابنه ضبًّا فزوجها إياه وكان ضب مسلمًا والفرافصة نصرانيًا فلما أرادوا نقلها قال لها أبوها‏:‏ إنك تقدمين على نساء من نساء قريش مَنْ أقدر على الطيّب منك فاحفظي عني خصلتين‏:‏ تكحلي وتطيبي بالماء حتى تكون ريحك ريح شنّ أصابه مطر‏.‏

فلما جُمَلت كربت لكربه وحزنت لفراق أهلها وأنشدت‏:‏ ألست ترى باللّه يا ضب أنني مصاحبة نحو المدينة أركبا لقد كان في أبناء حصن بن ضمضم لك الويل مانِعَ الحياء المحجبا فلما قدمتَ على عثمان وضع عمامته فبدا الصلع فقال‏:‏ لا يهولنك ما ترين من صلعي فإن وراءه ما تحبين، فسكتت‏.‏

فقال‏:‏ إما أن تقومي إليَّ وإما أن أقوم إليك‏.‏

فقالت‏:‏ أما ما ذكرت من الصلع فإني من نساء أحب بعولتهن السادة الصلع وأما قولك‏:‏ إن تقومي أو أقوم فوالله لما تجشمتَ من حَسْبات السماوة أبعد مما بيني وبينك بل أقوم إليك‏.‏

فقامت فجلست إلى جنبه فمسح رأسها ودعا لها بالبركة ثم قال‏:‏ اطرحي عنك رداءك‏.‏فطرحته ثم قال‏:‏ حلي إزارك‏.‏فقالت‏:‏ ذاك إليك‏.‏فحلّ إزارها وكانت من أحظى نسائه عنده‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا ابن المبارك بن عبد الجبار أخبرنا محمد الجوهري أخبرنا أبو عمرو بن حيوية أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال‏:‏ أخبرني أحمد بن حرب قال‏:‏ أخبرني الزبير بن أبي بكر قال‏:‏ حدثني يحيى بن محمد بن عبد اللّه بن موبان قال‏:‏ نظرت نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان بن عفان رضي‏.‏

الله عنه في المرآة فأعجبها ثغرها فأخذت فهرًا فكسرت ثناياها وقالت‏:‏ والله لا يجب لك أحد بعد عثمان‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ كان فتح اصطخر الأخير وفيها‏:‏ حج بالناس عثمان بن عفان ‏.‏

 

ذكرمن توفي في هذه السنة من الأكابر

عمرو بن سراقة

ابن المعتمر بن أنس بن أداة بن رباح‏.‏

شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وتوفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه‏.‏